mardi 25 janvier 2011

بودنيب ... الصامدة
بقلم: خالد زروال


 من داخل هذا المجال الجغرافي الفقير، والذي لم تسعف الظروف التاريخية أهله كي يبدعوا فيه ويدبروه، حيث رمزية المكان يغيب فيها ذلك التناغم المنشود بين الفضاء والسلطة والهوية، نشأت بودنيب شبه الحاضرة حاضرة في ذاكرة الأهل والهوية، غائبة في ذاكرة السلطة منذ واقعة الصخيرات. صمدت بودنيب طوال سنين تضمد جراحها المتعفنة، ولا شيء تغير أو بدا كذلك....
كنت ولا أزال أتذكر بودنيب، كما يتذكرها كل أبنائها جيلا بعد جيل وكأن الزمن توقف في هذا المكان. تبدو بودنيب، ومنذ أمد طويل، خارج التاريخ.

في أيام العطلة الدراسية، عندما كنت أزور بودنيب بداية تسعينات القرن الماضي، أذكر أننا، نحن الصبية والشباب، كنا ننتظر مغيب الشمس كي يعلن إيقاظ مصابيح البيوت من سباتها بعد أن نسمع زفير محرك الديازل، الذي لا تستقيم لنا فرحة إلا بسماع صوته الخشن، فرحة لا تستمر لأكثر من ساعات أربع قبل أن يعاود المحرك الصمت معلنا نهاية فترة النور واستئناف زمن الظلام.
على ضفاف وادي النعام، وعلى بعد 5 كيلومترات إلى الشرق من مركز بودنيب، يقف إغرم الطاوس منذ مطلع القرن العشرين (1905) شاهدا على نزوح أحد فروع (إغص) قبيلة أيت عطا.
لا أذكر من الطاوس، ذلك الجذر الساكن في سكنات الذات المعتزة تارة والمتألمة أخرى بضرر السنين، سنين الحيف، لا أذكر سوى تلك اللحظات الجميلة التي كنت أرحل خلالها إلى إغرم بعد تحصيل دراسي جيد، كان الوالد عمر أزروال غالبا ما يقابله بفرحة واعتزاز، فيجود من جيبه المتعب، الذي لا تنعشه إلا دريهمات الموظف البسيط، يجود منها علي بثمن الرحلة كي أزور تامازيرت.

في منزل طيني بسيط، في زقاق مظلم عميق، كنت أقضي العطلة الدراسية، لا زلت أحفظ في ثنايا داخلي، أشياء كثيرة عن الحياة وعن المعاني التي يعطيها الناس للأشياء في إغرم، كيف يتوزع المجال بكل رمزيته بين الرجال والنساء والأطفال... النسوة يعدن محملات من تغدوين بالبرسيم، الرجال وهم يشقون الأرض أو يسقونها، أطفال الحارات في ألعابهم الترابية التي لا تنتهي إلا بسماع منبه سيارة تثير الدهشة والانبهار كلما قدمت إلى إغرم، شاب يجلس قرب فتاة في حقل، وقد وضعت جانبا تحرويت وأخذت تمكرت منهمكة في جمع الحشائش بحركة يدوية لا تنقطع ورأس مطأطئة لا ترتفع، إلا برهة تأخذ فيها الفتاة أنفاسها لتجيب، في حشمة، عن سؤال بعد أن يكد الشاب في الإلحاح على طرحه.
ليس أجمل من أن أستيقظ باكرا أتأمل الشمس الجديدة تأتيني من القرى المجاورة تمسح عن إغرم كسل الليل حتى تصل إلى أعشاش عصافيرنا لتستيقظ كأول مخلوق يعشق النور.
لم أكن أمل سماع ثغاء النعاج عند الغروب، ونهيق الحمير وصياح الزرزور المارق، كل مساء، تحت الأسوار، قبل أن أهرع إلى البيت كلما بدا لي من بعيد رجل يعود من خلوته كل مساء، إنه موح غَّا، وهو رجل فقد عقله منذ صباه في ظروف تختلف الروايات حولها.

تمردولت، ذلك الفضاء الرمزي بكل دلالاته التاريخية والأنتروبولوجية. تمردولت الذاكرة الشعبية لأهالي إغرم، حيث الأعراس والأفراح. كم كنت أسعد بحضور طقوس الاستعدادات حيث تتهيأ تمردولت لاستقبال تمغرا نايت فلان، حيث أحيدوس لا يسكته إلا صوت المؤذن معلنا في الناس صلاة الفجر.
أحيدوس، تلك السمفونية الأمازيغية، على إيقاع نسمات الصحراء التي تتجاذب أوراق النخيل لتعانق أنغام الطبيعة ألحان الثقافة.

بودنيب، الطاوس... الذاكرة الموشومة بصفحات التاريخ، بكل أفراحها ومعانيها الجميلة التي توقظ في الناس هممهم واستشرافهم للمستقبل، على الرغم مما يخلفه، بين الفينة والأخرى، ومن داخل هذا التاريخ، وقع السنين العجاف، حين عز الماء وحين تجبر البشر، تاركا بودنيب في جراح لن يجبرها جبر الضرر، وضرر البلاد لا يجبره إلا عزم الأولاد، وأولادك يا بودنيب رجال في كل مكان، اخترقوا كل مجال، أبوا إلا أن يسمعوا صوتك الذي لطالما أخرسه طيش الطائشين وعبث العابثين.      

1 commentaire:

  1. Boudnib me rappelle vaguement des souvenirs très éloignés dans mon vécu de petite enfance! Je n'ai jamais pu voir Boudnib , mais elle me renvoie mystérieusement à Gourrama! Un autre bled au milieu du desert du tafilalet!Une oasis où les hommes ne cotoient les femmes que lors des semailles ou des vendanges! Les oasis sont l'espace des femmes par excellence! Elles y travaillent et se rencontrent pour se soustraire un peu aux toits très proches de leurs têtes et qui étouffent un peu leurs horizons...Et des oasis de Gourrama , tout passant peut entendre les chants langoureux des femmes qui travaillent aux champs en fauchant la luzerne ... Des tamawaytes , comme des agonies des temps perdus.
    J'ai aimé votre Boudnib , comme j'ai aimé ma Gourrama! une cité de fous et de sages! Une cité de morts et de vivants!Une cité où la vie cotoie l'au delà ! où l'espérance est vaine! mais où on continue à vivre et à chanter!

    RépondreSupprimer