jeudi 21 juillet 2011

الجسد كموضوع سوسيولوجي:
ليس الجسد كما قد يتبادر إلى الذهن واقعا طبيعيا أو مادة واضحة بذاتها، وإنما هو نتاج ثقافي اجتماعي. فلا وجود للجسد سوى ضمن انتماءات ثقافية بلورها الإنسان، وضبط من خلالها سلوكات هذا الجسد وحركيته وفقا لتقاليد وعادات اجتماعية معينة. بل إن الكثير من الآليات الفيزيولوجية الإنسانية نجدها وثيقة الارتباط بالقواعد والقيم الاجتماعية المشتركة.
وبناء على ذلك فلقد مثل الجسد ولا يزال محور انتمائنا إلى هذا العالم وكذا إقحام العالم فينا، إذ من خلاله يتمكن الفرد من الحديث عن ذاته وعن العالم المحيط به. مما يجعل منه حدثا ثقافيا وبنية رمزية دالة تجمع ما بين الطبيعة والثقافة، الدال بالمدلول، ثم الوعي باللاوعي[1].
لذلك يبقى من الصعب الحديث عن الجسد دون استحضار ما يمكن أن نطلق عليه "بثقافة الجسد"، والتي نقصد بها مجمل التصورات والتمثلات والإدراكات الثقافية والإيديولوجية التي ينتقل فيها الجسد من بنيته البيولوجية المحضة، لكي يتحول إلى معطى ثقافي وإلى واقعة اجتماعية دالة. إذ لكل ثقافة طريقة ومنهج خاص في التعامل مع الجسد، يتماشى وكيفية تنظيم علاقتها بالأشياء وكذا تنظيمها للتفاعلات الاجتماعية.
فكما أن لكل مجتمع لغته فإن له جسده أيضا، ونعني بذلك تمثله الخاص لهذا الجسد وفقا لمجموعة من الرموز والقواعد والطقوس والتفاعلات التي يصبح فيها الجسد تشخيصا لمجموعة من الرموز الاجتماعية، إن لم نقل أنه يصير هو ذاته رمزا من الرموز الاجتماعية[2].
وفي خضم هذا المنظور يتجاوز الجسد بنيته البيولوجية، لكي يتحول إلى إنشاء اجتماعي محمل بدلالات ثقافية وإيديولوجية.
منذ العشرينات من القرن الماضي ظهر الاهتمام بالجسد كمعطى سوسيولوجي مع مارسيل موسmarcel Mauss  فقد أكد الأهمية التي تكتسبها دراسة "إثنوغرافية" لوسائل الدمج التي تمارس على الجسد من قبل المجتمع، كلود ليفي ستروس[3] في تقديمه لكتاب "الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا " لمارسيل موس، يرى بأن تقنيات الجسد كانت تنبئ وتبشر بأكثر اهتمامات المدرسة الامريكية الأنثروبولوجية المعاصرة ممثلة في أعمال "مارغريت ميد"، ميشيل بيرلتو في كتابه "corps et Société " حاول أن يضع الأسس المعرفية لتأمل سوسيولوجي حول الجسد من حيث قدرته على التعبير عن المجتمع، كمنفذ للإطلال على العالم، من خلال مفاهيم الجسم الأداة- الجسم المعنى، أي الجسم كوسيط لترسيخ قيم نظام اجتماعي معين[4].
مارسيل موس في دراسته حول "تقنيات الجسد" يقترح تأمل الطريقة التي يستخدم بها الناس أجسادهم من مجتمع إلى آخر، ويؤكد أن هناك كم هائل من الحركات والأنشطة العادية للحياة اليومية تتجدر في نماذج سلوكات تستمد شكلها وقالبها من المجال الاجتماعي، وأنه ليست هناك أشكال طبيعية صرفة لأنشطة الجسد، حتى العواطف لا يمكن أن ندعي التعبير عنها بشكل طبيعي خالص، بل إنها كما ترسم على الجسد وتعبر عن نفسها من خلاله ليست إلا إنتاجات رمزية ترتبط بلحظة معينة من لحظات الحياة الاجتماعية[5].
وحسب زينب معادي، فإن بيير بورديو يعتبر أن الاستثمار الاجتماعي للجسد يجعل أشكال استخدامه وسيلة من وسائل التعبير عن بنيات وعلاقات اجتماعية ومرآة للتقابلات الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بالفوارق بين الطبقات أو الفئات أو التمييز بين الجنسين، وفي نفس الوقت تدعيمها وتطبيعها أي إظهارها بمظهر التقابلات أو الفوارق التي تحتمها طبيعة الأشياء: فالتقابل بين الذكورة والأنوثة مثلا، يتجسد أو يتحقق في شكل استعمال الجسد أو اتخاد أوضاع في شكل من التصرفات والسلوكات، وفي أشكال من التقابلات مثل " الصرامة بالنسبة للرجل، والرقة بالنسبة للمرأة".
هكذا فالبناء الاجتماعي للجسد يعكس تقسيم العمل الجنسي وتقسيم العمل الاجتماعي، وهو بقدر ما يجعل الفوارق الاجتماعية تبدو طبيعية فهو كذلك يريد أن يجعل الفوارق الطبيعية تبريرا للفوارق الاجتماعية أو يحول الاختلافات البيولوجية إلى اختلافات في المكانة الاجتماعية[6].
الاستثمار الاجتماعي للجسد ليس في نهاية الأمر، حسب بورديو، إلا تعبيرا عن "ميثولوجيا سياسية" تحولت إلى استعداد مستمر، في شكل طريقة دائمة لاتخاذ أوضاع جسدية للكلام والمشي ومن تم للإحساس والتفكير.[7]
لقد ظل الجسد، كمعطى بيولوجي، مجالا لممارسة السلطة، ومنطلقا للتمييز بين الرجل والمرأة ومن تم أساسا لهذا التمييز في الأدوار الاجتماعية وفي مختلف أشكال الظهور في المجال، وبالتالي ظل الجسد مبررا لتكريس مختلف علاقات السلطة في المجتمع وعلى رأسها علاقة الرجل بالمرأة.

2.2.3. الجسد والسلطة:
سنعتمد في تحليلنا لعلاقة الجسد بالسلطة على تحليلات "ميشيل فوكو" الذي يعتبر، في نظر الكثيرين، سباقا إلى إثارة بعض الأفكار التي ستشكل أساسا  ل "سوسيولوجيا الجسد".
يذهب «فوكو» إلى أن الجسد ليس مجرد كيان طبيعي، وإنما هو كيان ينتج اجتماعاً من خلال نظم المعرفة والسلطة، بحيث يصبح جسداً ليناُ طيعاً.
فوكو ومرلوبونتي عارضا التصور (الأكاديمي) الغربي السائد حول الجسد، باعتباره نظاماً فسيولوجيا موضوعياً مغلقاً، وكان التحدي الخاص بفلسفة كل منهما حول الجسد هو تقديم بديل لذلك التصور، وهو أنهما يركزان على السياق الاجتماعي- التاريخي Socio-historical للجسد، حيث يصوران الجسد كحامل للإشارات والسلوكيات، وينبغي فهمه كتعبير عن المخزون الثقافي العام[8].
لقد كان «فوكو» منشغلاً على مدار تحليلاته بالكشف عما يكبل الجسد، ويقيده، لأن ذلك في رأيه تكبيل للعقل، ففك أغلال الجسد من آليات التوجيه والنفي والترويض هو إطلاق سراح العقول من سراديب الحجر والزيف .
وقد عمل «فوكو» على تقديم تحليل علمي للجسد وفق منهجيات جديدة حيث فكك الآليات والنظم المتعددة التي ساهمت في إخضاع الجسد، إذ أن «فوكو» ينطلق من قضية أساسية، وهي أن الجسد كان عرضة لقوى متعددة ساهمت في إخضاعه وترويضه.
يعد «ميشيل فوكو» بحق المنظر الأهم للجسد في القرن العشرين، حيث كشف «فوكو» من خلال رؤاه ما بعد البنيوية الحضور الشامل للسلطة داخل الصياغات الخطابية Discursive formations المتعلقة بالجسد، إن أهمية الجسد لدى فوكو تصل لدرجة أنه يصف أعماله الفكرية بأنها تشكل «تاريخ أجساد» History of bodies وترصد الطريقة التي يتم من خلالها استثمار الأجساد مادياً وحيوياً[9].
لقد كان «فوكو» منشغلاً بفهم كيفية دخول الجسد إلى الخطاب السياسي كتمثيل للسلطة، وكيف تُمارس السلطة على الجسد، في المؤسسات المختلفة كالمدرسة والسجن والمصنع والمستشفى، بحيث يتحول الجسد إلى كائن منضبط.
إن القضية المحورية التي ينطلق منها «فوكو» هي رصد عملية تطبيع الجسد Normalization of the body ورصد المؤسسات التي تنتج وتفصل المعرفة العلمية المتعلقة بتطويع الجسد، بالإضافة إلى اهتمامه بدراسة كيف يتم تمثيل الجسد في الممارسات المختلفة بضبط وإدارة الكيان الإنساني[10].


[1] - خلود السباعي، "التنمية وثقافة الجسد: أية علاقة؟"، مرجع سابق.
[2] - المرجع نفسه.
[3]- كلود ليفي ستروس، عن معادي زينب،  الأسرة المغربية بين الخطاب الشرعي والخطاب الشعبي، مرجع سابق، ص: 216.
[4]-Berthelot Jean- Michel، عن معادي زينب، المرجع نفسه، ص: 216.
[5] - مارسيل موس، عن معادي زينب، الجسد الأنثوي وحلم التنمية، إنها امرأة تذوب: قراءة في التصورات عن الجسد الأنثوي بمنطقة الشاوية، وقد اعتمدنا الصيغة الاليكترونية للكتاب: http://www.nesasy.org/pdf/zainabmaadi-2006.pdf
[6] - بورديو بيير، عن معادي زينب، المرجع نفسه.
[7] - المرجع نفسه.
[8] - حسني إبراهيم عبد العظيم:" ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد"، مرجع سابق.
[9] - المرجع نفسه.
[10] - المرجع نفسه.


dimanche 27 février 2011

amina afifi E.inspecteur.cfie.rabat. a ajouté un nouveau commentaire sur votre message "بودنيب ... الصامدةبقلم: خالد زروال  من داخل هذا ا..." :
Boudnib me rappelle vaguement des souvenirs très éloignés dans mon vécu de petite enfance! Je n'ai jamais pu voir Boudnib , mais elle me renvoie mystérieusement à Gourrama! Un autre bled au milieu du desert du tafilalet!Une oasis où les hommes ne cotoient les femmes que lors des semailles ou des vendanges! Les oasis sont l'espace des femmes par excellence! Elles y travaillent et se rencontrent pour se soustraire un peu aux toits très proches de leurs têtes et qui étouffent un peu leurs horizons...Et des oasis de Gourrama , tout passant peut entendre les chants langoureux des femmes qui travaillent aux champs en fauchant la luzerne ... Des tamawaytes , comme des agonies des temps perdus.
J'ai aimé votre Boudnib , comme j'ai aimé ma Gourrama! une cité de fous et de sages! Une cité de morts et de vivants!Une cité où la vie cotoie l'au delà ! où l'espérance est vaine! mais où on continue à vivre et à chanter!

mardi 25 janvier 2011

"المساواة بين الجنسين"
بين رهان الخطاب و أسئلة الواقع
خالد زروال،مراد دحاني،مصطفى بتي،صالح العسكري،مصطفى العامري"
طلبة مفتشون:المركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم


"لا يأتي المرء إلى هذا العالم كمرأة، بل يجعلون منه كذلك"
سيمون دو بوفوار: العادات والجنس عند المرأة

"المساواة بين الجنسين": عبارة كثيرا ما نسمعها حتى كادت تصير شعارا، ووظيفة الشعار بتعبير "أوليفي روبول" إيديولوجية "حالمة"، تريد أن تجعل المخاطب يعيش مضمون هذا الشعار على مستوى الحلم "إيديولوجيا"، اكثر مما يعيشه على مستوى الواقع.
هو حكم يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ، ونحن لا نحمل أحكاما بقدر ما نفتح أسئلة؟
ما المقصود بهذه العبارة "المساواة بين الجنسين"؟ ذلك ما نود الإجابة عنه، إن كان الجواب ممكنا، أما الحكم بكون العبارة شعارا أم لا فذلك ليس من اهتمامات هذا العرض.
المساواة بين الجنسين تعني بكل بساطة هدم الفروق بين هذين الجنسين و هو ما يقتضي معرفة طبيعة هذه الفروق و أصلها.
طبيعة الفروق بين الجنسين:
تجملها "شتيفان" فيما يلي: غالبا ما توصف المرأة بصفات من قبيل: العاطفية والسلبية، والاهتمام بالأشخاص، والإتقان و الشعور بالواجب وضبط النفس، والاستعداد للمساعدة و الطاعة والخضوع والترتيب والأعمال التكرارية، الأعمال الرتيبة والمهارة اليدوية والشعور الضعيف بالذات...إلخ.
هي كلها مقدمات لمداخل تكريس الفروق بين الجنسين، وهي كثيرة، سنقتصر على أهمها على الإطلاق وهو "التقسيم الاجتماعي للعمل".
أصل الفروق بين الجنسين:
فهل تلك المميزات التي توصف بها المرأة سبب أم نتيجة للتقسيم الاجتماعي الجنساني للعمل؟ هل هي فطرية أصلية في المرأة؟ أم انها مكتسبة و نتيجة لهذا التقسيم قبل أن تكون سببا فيه؟
اتجاهان مختلفان:
  •  الإتجاه البيولوجي: 
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن هذه الفروق فطرية  فالمرأة لها استعداد بيولوجي يؤهلها لتقبل تلك الصفات المميزة لها "عاطفية مثلا" ومن تم يؤهلها في اطار التقسيم الاجتماعي للعمل لتقبل أدوار بعينها دون أخرى: خاصة اعمال الامومة وما يتصل بها من أعمال البيت و بعض الادوار الاجتماعية الثانوية التي تتناسب و تكوينها البيولوجي من قبيل 'ممرضة، معلمة.." أما وظائف الإنتاج الاجتماعي الأساسية فهي من اختصاص الرجل نظرا لاستعداداته ككائن عقلاني و مؤهل جسمانيا لتحمل تلك الأدوار.
  • الاتجاه الاجتماعي:
يذهب هذا الاتجاه إلى اعتبار "فطرية" الفوارق بين الجنسين أمرا إيديولوجيا مرفوضا من الناحية العلمية، ويرجع تلك الفوارق إلى عوامل ثقافية و اجتماعية.

كيف ذلك؟
كل السمات المتصلة بالمرأة ناتجة عن فعل اجتماعي تربوي يبدأ منذ الشهور الأولى في إعداد الأنثى لتقبل أدوار دونية لصالح الذكر، يبدأ الأمر مع الرضاعة و يستمر عند اللعب "مليسا هاينز: جنوسة الدماغ" ولدى برامج التلفاز ...إنها اتجاهات ثقافية نحو إعداد الفتاة للعب أدوار إعادة الإنتاج "أعمال البيت" و بعض الأدوار الهامشية في مجال الإنتاج لصالح الرجل الذي يهيأ للعب ادوار الانتاج داخل المجتمع. والنتيجة إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية الجنسانية التي تكرس هيمنة الرجل عن طريق تمكينه من وسائل الإنتاج.
إذن سيادة الرجل لا تعود إلى عوامل بيولوجية بقدر ما هي نتاج لعوامل اجتماعية تحددها علاقات الانتاج السائدة في مجتمع تكون فيها وسائل الإنتاج لصالح الرجل وهو ما نجده في المجتمعات البطريركية.
نستنتج كذلك أن المرأة بدورها بإمكانها أن تسود في مجتمع ما على حساب الرجل كلما تمكنت من امتلاك وسائل الإنتاج "وهو ما لا يسمح به المجتمع البطريركي" في حين كان ممكنا في المجتمعات المطريركية على غرار المجتمعات البدائية التي كانت فيها علاقات الانتاج لصالح المرأة، في هذه النقطة لا تتفق الباحثة الألمانية" أورزولاشوي" مع "انجلز" والنظرية الماركسية عموما، حين اعتبر المجتمعات البطريركية  تطورا تاريخيا للمجتمعات المطريركية، ذلك انه ،في نظر الباحثة، بإمكاننا أن نجد مجتمعا مطريركيا في أي لحظة من التاريخ، وهو ما اكدته أبحاث مارغريت ميد: ففي قبائل غينيا مثلا النساء لا يتفوق عليهن الرجال لا في ضخامة الجسم ولا في قوته، وانهن كن يقمن بنشاطات تعتبر لدينا رجالية خالصة" الحراثة و صيد الأسماك مثلا"
خلاصات:
السمات التي تنعت بها المرأة ليست سببا بيولوجيا لما يوكل إليها من الأدوار، بل هي نتيجة لتنشئة اجتماعية تبدأ مند الطفولة الاولى و تهيئ كل جنس للعب دور منمط لم يختره لذاته، تنشئة تجعل من الفتاة مستعدة لقبول نظرة دونية للمجتمع إزائها بل هي نفسها تكرس بعضا من مكونات تلك النظرة" نجد في كثير من المواقف بعض النساء يؤكدن دونيتهن، بوعي أو عن غير وعي، "أنا غير امرأة ولية"
صحيح ان الطبيعة لها دورها فقد اكدت التجارب العلمية ان "العاطفة" كأحد سمات الانوثة لها ما يبررها بيولوجيا، لكن ذلك لا يمنع من كون الثقافة و التنشئة الاجتماعية لها دور حاسم في تنمية تلك الاستعدادات أو العكس.
إن التربية لها دور حاسم كذلك في إعطاء كلا الجنسين  فرص اقتحام كل المجالات دون ان تبقى حكرا على هذا الجنس او ذاك، فمعلوم ان توجيه الأطفال الإناث  إلى ألعاب بعينها دون الفتيان ينمط تفكيرهن ويسد امام عقولهن فرص الإبداع في مجالات ذكورية" جنوسة الدماغ ، ميليسا هاينز" .

إن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب إعادة الاعتبار لعمل المرأة في مجال إعادة الإنتاج "أعمال البيت" و هو العمل الذي لا تعتبره الرأسمالية عملا مأجورا ، على الرغم من أهميته الاجتماعية، وبالتالي  فهي تحرم المرأة من امتلاك وسائل للإنتاج تسمح لها بفرص حقيقية للمساواة مع الرجل . فما معنى ان ننادي بحقوق المرأة و مساواتها مع الرجل في ظل غبن حقها في أجرة مستحقة على عملها في مجال الأمومة و ما يرتبط بها من أشغال البيت.







في نظرية المعرفة: الأسس و المؤاخذات 
                                     بقلم:خالد زروال                                                              
    نستطيع أن نقول إن الميلاد "الرسمي" لنظرية المعرفة كان مع ظهور المشروع الكانطي لنقد العقل. لا يعني هذا أننا لا نستطيع أن نجد عند الفلاسفة السابقين على كانط بحوثا في المعرفة.  كل ما نقصده  أن السؤال المخصص لمبحث المعرفة سيظهر لأول مرة في تاريخ الفلسفة مع كانط. أراد كانط أن يطرق في الفلسفة و في ميدانها النظري، أي خارج الأخلاق و الجمال، أراد أن يطرق مشكلة واحدة هي مسألة المعرفة، مشكل المعرفة هو ما يقابل في التاريخ الفلسفي مشكل الوجود و مشكل القيم، والمعروف أن ذلك المشكل يبحث في وسائل المعرفة وتحديد الموضوعات التي تنطبق عليها تلك الوسائل لتقويم المعرفة وتأسيسها[1].              
    إن كل إشكالية عامة تقوم حول تصور أساس يرتبط بها، فإذا كان ذلك التصور بالنسبة للمنطق مثلا هو الزوج : صورة – مادة، وبالنسبة لمبحث الأنطولوجيا هو الزوج : جوهر – عرض، فإن التصور الأساس  للإشكالية العامة لنظرية المعرفة هو الزوج : ذات – موضوع.  كل نظرية من نظريات المعرفة حاولت أن تموقع المعرفة في علاقتها بهذا الزوج،  وذلك  بالرجوع إما إلى المنطق أو إلى السيكولوجيا أو إلى الانطولوجيا[2].  تتساءل نظرية المعرفة إذن عن إمكانية معرفة الذات للموضوع،  وإن هي أثبتت تلك الإمكانية تبحث في أدواتها ثم في حدودها ومدى صلاحيتها، إنها تبحث في طبيعة المعرفة ووسيلتها و قيمتها.           
فكيف تصورت هذه النظرية موضوعها "المعرفة"؟ وما هي حدود هذا التصور؟               
     ينقسم الفلاسفة في إطار نظرية المعرفة إلى اتجاهين أساسيين وسما، بشكل كبير، تاريخ هذه النظرية :
      الاتجاه الأول، يربط المعرفة بعوامل تتصل بالذات باعتبارها مصدر كل معرفة ممكنة، ويجد هذا   الاتجاه جذوره في الفكر اليوناني الذي رفع من قيمة الإنسان كذات واعية و مفكرة، كما نجد امتداداته مع عصر الأنوار، حيث سيشكل "مبدأ الذاتية"  الاساس الفلسفي للحداثة، و حيث الذات المفكرة مركز الكون ومحددة لكل الاشياء من حولها، وهو الاتجاه الذي عرف بالعقلاني،  والذي جعل من العقل مصدر كل معرفة ممكنة، ويمكن أن ندرج في هذا الاتجاه كل من ديكارت، ليبتز، تشو مسكي..                    
         الاتجاه الثاني، وفي مقابل الأول، يرى أصل المعارف الحقيقية خارج  ذواتنا، وعلينا أن نبحث عنها في الموضوعات من حولنا، وهو الاتجاه الذي عرف بالتجريبي، متأثرا بالفلسفة الوضعية،  فالحقائق ينبغي اكتشافها عن طريق التجربة التي لا تركن إلى أوهام الذات وأفكارها المسبقة .                                 
        وبين هذين الاتجاهين يتموقع  اتجاه ثالث، حاول أن يرجع أصل المعرفة إلى كلي طرفي الزوج : ذات – موضوع، وهو الاتجاه الذي يعتبر المعرفة انبناء  ناتجا عن تفاعل الذات مع موضوع المعرفة، و لذلك سمي  بالاتجاه البنائي  ورائده السويسري "جان بياجيه"، والحقيقة أن هناك من يعتبر هذا الاتجاه امتدادا للمشروع الكانطي حول نظرية المعرفة في إطار ما سمي ب "النيو كانطية".                                             
        غير أن الحديث عن بياجيه، في نظر الكثيرين من الباحثين في مجال الإبستمولوجيا،  حديث يدعو إلى إعادة النظر في ما كان يعرف بنظرية المعرفة  و في نظرتها إلى المعرفة كموضوع للتفكير، ترى أي جديد حمله بياجيه في هذا الصدد؟                                                                                  
        لقد حاول بياجيه أن يؤسس لنظرة جديدة إزاء المعرفة، نظرة حاولت البحث في الميكانيزم الفعلي الذي يخضع له إنتاج المعارف، وهو الأمر الذي لم تبحث فيه نظرية المعرفة طوال تاريخها، ذلك أن هذه النظرية ظلت، قبل أبحاث بياجيه، تتأمل من خارج الشروط القبلية التي تضمن إمكانية المعرفة، و أخذت تتحدث عن عملية المعرفة من خلال أسئلة لم تكن نابعة من صميم المعرفة ذاتها، فقسمت عناصرها إلى ذات عارفة ثم موضوع معرفي، وهو التقسيم الذي اعتبره  "ألتوسير" وهميا  لأنه تم من خارج المنطق الذي يحكم المعرفة، في هذا الصدد يقول ألتوسير:" نفترض هنا  ذاتا و موضوعا  وهميين يكون عليهما أن يأخذا الظروف الحقيقية والميكانيزم الفعلي لتاريخ إنتاج المعارف كي يخضعاهما لغايات دينية، أخلاقية وسياسية"[3] .           
        الأكيد، أن بياجيه، سيفطن إلى ما نبه إليه  "ألتوسير"،  وسيحاول تجاوز نظرية المعرفة التقليدية، باحثا في المنطق الذي يحكم المعرفة من الداخل في إطار نظرة سيكولوجية  حول هذه المعرفة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : إلى أي حد بقي بياجيه نفسه في مأمن من "الإيديولوجي"؟؟  كيف نفسر رفضه إدخال كل ما هو "اجتماعي" في تفسير انبناء المعرفة و تشكلها؟  هل يرجع ذلك فقط إلى الميكانيزم الداخلي لهذه المعرفة؟  أم أن الأمر يعود إلى اعتبارات أخرى من خارجها، اعتبارات خضعت هي الأخرى لما هو إيديولوجي ارتبط باللحظة التاريخية التي أفرزت بياجيه وأبحاثه حول المعرفة؟                                          
       أسئلة من بين أخرى، كثيرة، ستطرحها تأملات لاحقة حول المعرفة و خباياها، خاصة مع رواد "التفكيكية"، في إطار تشريح جينيا لوجي للمعرفة  سيكشف الغطاء عن تلك الخبايا و رهانات السلطة التي تحكمها، على حد تعبير ميشيل فوكو[4].                                                                          



[1] - عبد السلام بنعبد العالي و سالم يفوت،(1985)، درس الإبستيمولوجيا ، دار توبقال للنشر، البيضاء، ص. 11.
[2] - المرجع نفسه. ص. 12.
[3] - Althusser(L)‚ Lire le capital ‚ op. Cité T1. p.66. 
   -[4] ميشيل فوكو، المعرفة و السلطة،ترجمة عبد العزيز العيادي، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، بيروت.
بودنيب ... الصامدة
بقلم: خالد زروال


 من داخل هذا المجال الجغرافي الفقير، والذي لم تسعف الظروف التاريخية أهله كي يبدعوا فيه ويدبروه، حيث رمزية المكان يغيب فيها ذلك التناغم المنشود بين الفضاء والسلطة والهوية، نشأت بودنيب شبه الحاضرة حاضرة في ذاكرة الأهل والهوية، غائبة في ذاكرة السلطة منذ واقعة الصخيرات. صمدت بودنيب طوال سنين تضمد جراحها المتعفنة، ولا شيء تغير أو بدا كذلك....
كنت ولا أزال أتذكر بودنيب، كما يتذكرها كل أبنائها جيلا بعد جيل وكأن الزمن توقف في هذا المكان. تبدو بودنيب، ومنذ أمد طويل، خارج التاريخ.

في أيام العطلة الدراسية، عندما كنت أزور بودنيب بداية تسعينات القرن الماضي، أذكر أننا، نحن الصبية والشباب، كنا ننتظر مغيب الشمس كي يعلن إيقاظ مصابيح البيوت من سباتها بعد أن نسمع زفير محرك الديازل، الذي لا تستقيم لنا فرحة إلا بسماع صوته الخشن، فرحة لا تستمر لأكثر من ساعات أربع قبل أن يعاود المحرك الصمت معلنا نهاية فترة النور واستئناف زمن الظلام.
على ضفاف وادي النعام، وعلى بعد 5 كيلومترات إلى الشرق من مركز بودنيب، يقف إغرم الطاوس منذ مطلع القرن العشرين (1905) شاهدا على نزوح أحد فروع (إغص) قبيلة أيت عطا.
لا أذكر من الطاوس، ذلك الجذر الساكن في سكنات الذات المعتزة تارة والمتألمة أخرى بضرر السنين، سنين الحيف، لا أذكر سوى تلك اللحظات الجميلة التي كنت أرحل خلالها إلى إغرم بعد تحصيل دراسي جيد، كان الوالد عمر أزروال غالبا ما يقابله بفرحة واعتزاز، فيجود من جيبه المتعب، الذي لا تنعشه إلا دريهمات الموظف البسيط، يجود منها علي بثمن الرحلة كي أزور تامازيرت.

في منزل طيني بسيط، في زقاق مظلم عميق، كنت أقضي العطلة الدراسية، لا زلت أحفظ في ثنايا داخلي، أشياء كثيرة عن الحياة وعن المعاني التي يعطيها الناس للأشياء في إغرم، كيف يتوزع المجال بكل رمزيته بين الرجال والنساء والأطفال... النسوة يعدن محملات من تغدوين بالبرسيم، الرجال وهم يشقون الأرض أو يسقونها، أطفال الحارات في ألعابهم الترابية التي لا تنتهي إلا بسماع منبه سيارة تثير الدهشة والانبهار كلما قدمت إلى إغرم، شاب يجلس قرب فتاة في حقل، وقد وضعت جانبا تحرويت وأخذت تمكرت منهمكة في جمع الحشائش بحركة يدوية لا تنقطع ورأس مطأطئة لا ترتفع، إلا برهة تأخذ فيها الفتاة أنفاسها لتجيب، في حشمة، عن سؤال بعد أن يكد الشاب في الإلحاح على طرحه.
ليس أجمل من أن أستيقظ باكرا أتأمل الشمس الجديدة تأتيني من القرى المجاورة تمسح عن إغرم كسل الليل حتى تصل إلى أعشاش عصافيرنا لتستيقظ كأول مخلوق يعشق النور.
لم أكن أمل سماع ثغاء النعاج عند الغروب، ونهيق الحمير وصياح الزرزور المارق، كل مساء، تحت الأسوار، قبل أن أهرع إلى البيت كلما بدا لي من بعيد رجل يعود من خلوته كل مساء، إنه موح غَّا، وهو رجل فقد عقله منذ صباه في ظروف تختلف الروايات حولها.

تمردولت، ذلك الفضاء الرمزي بكل دلالاته التاريخية والأنتروبولوجية. تمردولت الذاكرة الشعبية لأهالي إغرم، حيث الأعراس والأفراح. كم كنت أسعد بحضور طقوس الاستعدادات حيث تتهيأ تمردولت لاستقبال تمغرا نايت فلان، حيث أحيدوس لا يسكته إلا صوت المؤذن معلنا في الناس صلاة الفجر.
أحيدوس، تلك السمفونية الأمازيغية، على إيقاع نسمات الصحراء التي تتجاذب أوراق النخيل لتعانق أنغام الطبيعة ألحان الثقافة.

بودنيب، الطاوس... الذاكرة الموشومة بصفحات التاريخ، بكل أفراحها ومعانيها الجميلة التي توقظ في الناس هممهم واستشرافهم للمستقبل، على الرغم مما يخلفه، بين الفينة والأخرى، ومن داخل هذا التاريخ، وقع السنين العجاف، حين عز الماء وحين تجبر البشر، تاركا بودنيب في جراح لن يجبرها جبر الضرر، وضرر البلاد لا يجبره إلا عزم الأولاد، وأولادك يا بودنيب رجال في كل مكان، اخترقوا كل مجال، أبوا إلا أن يسمعوا صوتك الذي لطالما أخرسه طيش الطائشين وعبث العابثين.