mercredi 7 juin 2017

درس القرآن الكريم، هل هو درس في التفسير أم شرح لغوي للمفردات؟

ورد في موسوعة رونتال الفلسفية أن المفهوم هو شكل من أشكال انعكاس العالم في العقل، يمكن به معرفة الظواهر والعمليات وتعميم جوانبها وصفاتها الجوهرية، وهو نتاج معرفة متطورة تاريخيا ترتفع من الأدنى إلى الأعلى.
إننا نعتبر درس القرآن الكريم شكلا من أشكال المعرفة، وبالتالي فهو لا يخرج عن هذا السياق الإبستيمولوجي الذي يحدد للمعرفة بشكل عام منطقين اثنين في الانبناء والتشكل:

1.      المنطق الأول، دياكروني تاريخي: ذلك أن المعرفة لها منبعها وسيرورتها التاريخية، وهو المسار الإبستيمولوجي الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار أثناء تقديم أي معرفة للمتعلم.

2.      المنطق الثاني، سانكروني بنيوي: يعتمد انطلاقا من لحظة تشكل المعرفة تاريخيا، على أسس علمية عقلية قائمة على الملاحظة والاكتشاف، ثم الفهم والاستيعاب، قبل التعميم.

فكيف يمكن تصور درس القرآن الكريم ديدكتيكيا في ضوء هذين المنطقين؟ وبالتالي إلى أي حد يمكن اعتباره درسا في التفسير وليس مجرد شرح لغوي للكلمات؟

في البداية، ينبغي التنبيه والتذكير بأن درس القرآن الكريم هو انتقال من معرفة عالمة (النص القرآني بكل تجلياته وأسئلته البسيطة والمركبة) إلى معرفة مبسطة تأخذ بعين الاعتبار قدسية هذا النص وعدم القدرة على التصرف فيه من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة الفئة المستهدفة في المرحلة الابتدائية وخصوصياتها الإبستيمولوجية طبقا للمنطقين سالفي الذكر، وذلك يقتضي ما يلي:

   إن استحضار المنطق التاريخي في تقديم الدرس القرآني معناه الانطلاق من الأسئلة المطروحة في سياق إنتاج هذا النص، بمعنى أن معرفة السياق الذي وردت فيه الآية القرآنية سيكون مدخلا إبستيمولوجيا أساسيا لتقريب معنى هذه الآية من ذهن المتعلم، باعتبار هذا المعنى بدأ في التشكل والانبناء في اللحظة التاريخية التي استوجبت نزول تلك الآية. وبالتالي فإننا هنا أمام عملية في التفسير وليس مجرد شرح لغوي للمفردات، والاعتماد على مجرد هذا الشرح يعني إبستيمولوجيا تقديم معرفة مبتورة من سياقات انبنائها، وبالتالي لن تكون معرفة مبنية وإنما معرفة مؤثثة لذاكرة المتعلم لا معنى لها في ذهنه.

   لكن الأسئلة السياقية التي وردت فيها الآيات القرآنية نوعان: فهناك أسئلة مرتبطة بأحداث ووقائع وهي ما يعرف بأسباب النزول، وأسئلة أخرى مرتبطة بمعطيات ميتا زمنية مقدسة من قبيل "آيات وردت في موضوع القيامة والنار والجنة" (صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن). ومن ثم يطرح السؤال: إذا كان للتفسير ما يبرره إبستيمولوجيا من الناحية التاريخية، فبأي معنى وفي أي حدود؟

إن القرآن الكريم، باعتباره إجابة عن مجموعة من الأسئلة البسيطة والعويصة، قد شكل معرفة عالمة كان منبعها هو نزول الآيات القرآنية الكريمة وإجابتها عن تلك الأسئلة. لكن هذه الأجوبة، وكشأن أي معرفة عالمة "عرفت في تفسيرها بعض التطور المرتبط والمحكوم بتسلسل المشاكل والقضايا، بمعنى أن هذه المشاكل هي المحدد للتطور والتقدم".  ARSAC GILBERT : La transposition en mathématiques ، والنتيجة كانت تعددا في اتجاهات ومذاهب التفسير. من ثم فإن إجراءات النقل الديدكتيكي تقتضي حصر درس تفسير القرآن الكريم، ليس باعتباره أنتج معرفة عالمة تطورت عبر التاريخ مع اختزالها للتلميذ في لحظة واحدة، بل إن احترام المنطق التاريخي الإبستيمولوجي وأسسه السيكولوجية يقتضي تقديم هذا التفسير كما نشأ في منبعه تاريخيا كإجابة عن تلك الأسئلة المولدة للنص القرآني التي أوجدها الله عز وجل للتمهيد لنزول القرآن. وبالتالي فاستحضار تلك الأسئلة ضروري كما سبق الذكر لأنها جزء أساسي من معاني النص القرآني، سواء كانت أسئلة زمنية أو مقدسة، لكن بما يلزم ذلك الاستحضار من التبسيط والتجريد من كل أشكال التعقيد والاختلاف.

غير أن الانطلاق من السياق التاريخي لفهم النص القرآني - أسباب النزول- ينبغي ألا يعتمد كأساس في بيان بعض الوقائع والأحكام، وإلا فهمها المتعلم مقصورة على ما نزلت فيه، بل ينبغي التعامل معها كلحظة تاريخية يقف عندها المتعلم ليكتشف، بشكل ذاتي، بداية تشكل المعنى قصد استيعابه وتعميمه فيما بعد، وهنا يتجلى المنطق البنيوي لانبناء معاني الدرس القرآني. فهذا التعميم ببساطة هو ما يمكن المتعلم من الانتقال بالمعاني القرآنية من اللحظة التاريخية التي ولدتها (سبب النزول) إلى اللحظة التاريخية التي يعيشها (واقعه اليومي): "فالنص القرآني العام الذي نزل بسبب خاص معين يشمل بنفسه أفراد السبب وغير أفراد السبب، لأن عموميات القرآن لا يعقل أن توجه إلى شخص معين". (د. صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن، ص 159). لذلك قال الأصوليون: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.


خلاصات واستنتاجات

ü     احترام المنطق التاريخي لانبناء المعرفة يقتضي استحضار سياقات النص القرآني والأسئلة التي يجيب عنها (أسباب النزول)، مع ضرورة الاقتصار على الأسئلة البسيطة والرجوع إليها في منابعها الأولى.
ü     ومن هذا المنطلق ذاته، ينبغي الاقتصار على الأجوبة كما وردت عند منبع الأسئلة، أي كما تشرحها السيرة النبوية الشريفة، دون الخوض في التطور المعرفي لعلم التفسير في مساره التاريخي الكبير وما ولده من اختلافات ومذاهب.
ü     إن المنطق التاريخي يوازيه بالضرورة منطق سيكولوجي يعززه ويعاضده، ويؤكد على ضرورة الاشتغال بشكل متدرج، مع التركيز على قضية واحدة. في هذا الصدد يقول ابن العربي: "فإنك تعلم تفسير الفاتحة أم القرآن بحسب ما تنتهي إليك قدرتك فاجتهد" (ابن العربي، قانون التأويل، ص 350، عن السلسلة البيداغوجية 8 – أحمد العمراوي وخالد البقالي القاسمي – ديدكتيك التربية الإسلامية من الإبستيمولوجي إلى البيداغوجي).
ü     إن المنطق الصوري يقتضي الانطلاق من واقعة أو حادثة تاريخية (سبب النزول) لكن دون ربطها بأفراد مجتمع تلك اللحظة، بل ينبغي مناقشتها للوصول إلى تعميم الأحكام على سائر الأفراد والمجتمعات، وبالتالي ربطها بواقع التلميذ ومعيشه اليومي.


خاتمة

نستخلص مما سبق ما يبرر، من الناحية الإبستيمولوجية، كون درس القرآن الكريم درسا في التفسير، لكن بالقدر الذي تسمح به تلك المرجعية الإبستيمولوجية ذاتها وخلفيتها السيكولوجية، وذلك باحترام مدخلين أساسيين هما:
ü     تجريد ذلك التفسير ونزع الرواسب الذاتية عنه (dépersonnalisation).
ü     تجريد ذلك التفسير من سياقاته (décontextualisation) قصد تعميم الأحكام القرآنية على كل زمان ومكان.


المراجع

«    صبحي الصالح، "مباحث في علوم القرآن"، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة العاشرة، 1977.
«    أحمد العمراوي وخالد البقالي القاسمي، ديدكتيك التربية الإسلامية من الإبستيمولوجي إلى البيداغوجي، السلسلة البيداغوجية 8، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1999.
«    عبد السلام عبد العالي وسالم يفوت، درس الإبستيمولوجيا، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء.


dimanche 26 janvier 2014

في علاقة النماذج البيداغوجية بالبراديغمات الفلسفية:

في علاقة النماذج البيداغوجية بالبراديغمات الفلسفية:
 

تتأمل فلسفة التربية في الاشكاليات العامة للتربية وفي توجهاتها الكبرى التي قد تختلف باختلاف المجتمعات و الغايات التي ترومها لأنظمتها التربوية، تطرح الفلسفة أسئلتها المتجددة حول غايات التربية في مجتمع ما، وحول الممكن منها وغير الممكن، وفلسفة التربية في علاقتها بباقي علوم التربية لا تختلف عن علاقة الفلسفة عموما بباقي العلوم الانسانية حيث على الرغم مما حققته تلك العلوم من استقلالية عن الفلسفة على مستوى الموضوع و المنهج والمفاهيم، فإنها ترتبط بالفلسفة التي تنظر في اشكالياتها الابيستمولوجية.

 هكذا قد تنظر فلسفة التربية في النماذج البيداغوجية وتتسائل حول جدواها وتدعو إلى تجديدها كلما فرضت ذلك السياقات التاريخية والاجتماعية.. وكمثال على ذلك شكلت الفلسفة البراغماتية لحظة انبثاق مقاربة التدريس بالأهداف كنموذج بيداغوجي، في سياق تاريخي عرف هيمنة البراديغم النفعي الذي اختزل المعرفة كموضوع و اختزل الانسان كذات عارفة تتلقى المعرفة بشكل تقني في اطار ثنائية: مثير-استجابة.

 لأجل ذلك ستتسائل الفلسفة لاحقا عن جدوى اختزال المركب إلى بسيط: اختزال الانسان في البعد العقلي-المعرفي واختزال المعرفة في تخصصات معزولة ، في هذا السياق يرصد ادغار موران أحد أهم الاشكالات التي سقطت فيها التربية المعاصرة حين وقعت فيما سماه "العمى المعرفي" الذي تحولت معه المعرفة في التقسيمات المدرسية للمناهج التربوية إلى مواد وتخصصات مدرسية معزولة تنعدم فيها الروابط الضرورية والتقاطعات الطبيعية، فأصبحت المعارف بذلك ترصيصات معارفية  des savoirs qui existent, de manière juxtaposéeفي ذهن المتعلم يصعب عليه معها إيجاد التوليفات الضرورية بينها وبالتالي توظيفها في سياقات جديدة عن تلك التي اكتسبت فيها، ومن خلال هذه التساؤلات سيتم التمهيد لبراديغم جديد ينظر إلى الانسان ككائن مركب يتداخل فيه المعرفي بالوجداني إنه براديغم: التصرف، المركب، التوظيف، التوليف، الادماج، إزالة الحواجز بين المواد، المجزوءات، السياق... وغيرها من المفاهيم التي ستشكل نموذجا بيداغوجيا جديدا ارتبط بالكفايات، تتجه معه التربية وفق براديغم فلسفي يرى فيه موران بعدا كوكبيا سماته الأساسية: وحدة النوع البشري، ووحدة المعرفة البشرية ومع هذه السمات تسقط كل الحواجز : جغرافية كانت " سقوط الدولة القطرية " أو ابستمولوجية " سقوط التخصصات المعرفية" بمعنى آخر: لا وجود في البراديغم الجديد لنماذج تنموية دون تكامل وتكتل بين الدول، ولا معرفة دون إزالة الحواجز بين مكوناتها ودون توليفات بين مختلف التخصصات المعرفية التي انفصلت وتجزأت لأغراض مدرسية فقط.

مع النموذج الجديد سيسترجع الانسان مركزية الكون التي أطلقها مبدا الذاتية "الاساس الفلسفي للحداثة"، سيصير المتعلم مركز الفعل التربوي وبذلك تكون النماذج البيداغوجية انعكاسا ونتاجا لادراك المجتمع لتلك الذات ولهامش الحرية التي يريدها له و هنا أيضا تكمن مهمة أخرى من المهام التي تتولاها الفلسفة في علاقتها بالتربية، وباختصار، نستطيع أن نجمل أن تجديد النماذج البيداغوجية هو في الأصل تجديد للبراديغمات الفلسفية.

إن تجديد النماذج البيداغوجية إذن  هو انخراط ومواكبة للتحولات التي تعرفها البراديغمات الفلسفية المتجددة بتجدد السياقات التاريخية، الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وإذا كان المغرب قد تبنى نموذج الكفايات فإن الأمر لم يتم من باب الموضة أو الترف الفكري أو ما شابه ذلك، بل جاء هذا التبني في إطار رؤية رسمها من أوكلت لهم مهمة التفكير في استراتيجيات هذا البلد، من يبنون الفلسفة التربوية معتمدين في ذلك على التوجهات الكبرى التي اختارها المغرب في علاقة بالمنظومة الكونية وسياقاتها.. التي تحكمها بالضرورة براديغمات توجهها في إطار عولمة حقيقة ينبغي أن تأخد بعين الاعتبار، لذلك يفهم جيدا لماذا تبنت العديد من الدول نموذج الكفايات، ولذلك نفهم لماذا أصبح للمجتمع الدولي منظروه في التربية من امثال إدغار موران الذين يشرفون على تجديد البراديغمات الفلسفية ، ولذلك نفهم أيضا لماذا شرعت العديد من الدول في الاشتغال ببيداغوجيا الادماج في الآن ذاته؟ على أنه ينبغي أثناء تفاعلنا مع كل هذه الأسئلة ألا نختار أسهل الطرق وننزلق وراء القراءات الاختزالية "التبعية، المؤامرة، البنك الدولي...."، في هذا السياق نفهم كذلك لماذا جاء إلغاء العمل ببيداغوجيا الادماج مفاجئا؟ لأنه ببساطة لا يخرج بدوره من دائرة القراءات الاختزالية.

إن اعتماد هذا البيداغوجيا لم يأت معزولا عن رؤية متكاملة يلتقي فيها السياسي بالاجتماعي والاقتصادي وبالاستراتيجية العامة التي انطلق فيها المغرب منذ سنوات، وهي مبنية على مؤشرات تنموية وعلى معطيات واحصائيات دقيقة في الاقتصاد والديموغرافيا و و و..، كما أنها مبنية على امكانات المغرب في تمويل قطاع التربية والتكوين. لذلك فإيقاف هذا النموذج خارج سياقاته تصرف يمكن أن ينعت بالطيش ومن باب بتر الأشياء من سياقاتها أو بعبارة أخرى بتر النماذج البيداغوجية من البراديغمات الفلسفية التي تحكمها.

 

jeudi 16 janvier 2014

بيداغوجيا الادماج بين تناسق النموذج وإكراهات الممارسة البيداغوجية

في التربية على قيم النوع الاجتماعي..



على الرغم من محاولة الكتاب المدرسي المغربي رسم صورة حديثة عن المرأة، فإن هذه المحاولة لم تبرح مستوى الخطاب الصريح والظاهر، وذلك من خلال نصوص وعبارات تتحدث عن إنصاف وتكريم المرأة، ذلك أن هذه الصورة تصطدم بصورة أخرى مقابلة ومضادة، سواء على مستوى ظاهر الخطاب نفسه، من خلال الصور والمتون التي يحملها الكتاب المدرسي، أو من خلال الخطاب الضمني حيث قواعد التضمين والإقصاء، التي تكون في بعض الأحيان صريحة وفي أحيان كثيرة ضمنية، تحدد ما يوجد في الداخل وما يوجد في الخارج، وترتكز هذه القواعد على مفاهيم السلطة وقيمها ومواضعاتها[1].
 في هذا الصدد كثيرة هي المواقف التي تحبل بها الكتب المدرسية التي اشتغلنا عليها عبر تقنية تحليل المضمون: كتابي في اللغة العربية، السنة الثانية الابتدائية ، Pour communiquer en français ، السنة الخامسة الابتدائية، النجاح في التربية الاسلامية، السنة الثالثة الابتدائية، مواقف تستبطن في ثناياها تمييزا ضمنيا للرجل على المرأة، وبالتالي تتحدد مختلف أشكال السلطة الذكورية ورمزيتها في المجال وفي الدور الاجتماعي، وفي التمايز الجنسي الجسدي القائم على فطرية الفوارق بين الجنسين، هذه الفوارق البيولوجية التي تحاول أن تبرر تلك السلطة لتعيد إنتاج نفس الأدوار والعلاقات الاجتماعية السائدة، حيث يصير الجسد منتوجا ثقافيا أكثر منه معطى بيولوجيا، وبذلك نعي جيدا ما الذي حدا ب"سيمون دو بوفوار" إلى قول قولتها الشهيرة: "لا يأتي المرء إلى هذا العالم كمرأة، بل يجعلون منه كذلك[2]".
إن الحديث عن نظرة منسجمة إزاء المرأة، يقتضي تفكيكا لمكونات صورتها في ثقافتنا ومعيشنا اليومي وعلى رأسها ثلاثية المجال والدور الاجتماعي والجسد، باعتبارها ثلاثة محاور لاستراتيجية السلطة الأبوية كبناء ثقافي، ومن تم إعادة تأسيس علاقات النوع الاجتماعي بناء على منح فرص متكافئة لكلا الجنسين من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية وكافة المتدخلين في هذه العملية، وعلى رأسهم المدرسة وخطابها. والأكيد أن ذلك لن يتم بمجرد تبني شعارات عبر مضامين ونصوص مدرسية تمجد وتنتصر للمساواة بين الجنسين فقط، بل إن الأمر يتطلب تفكيكا لآليات خطاب الكتاب المدرسي بكل تجلياته الضمنية والصريحة، الظاهر منها والمتواري، والحرص ما أمكن أن يكون هذا الخطاب محترما في كل تفاصيله لقيم النوع، ولا ينطلق من أحكام نمطية تربط جنسا معينا ببعض الأدوار أو بعض الصفات والسمات الجسدية بناء على عادات ومعايير اجتماعية.
صحيح أن الفرق البيولوجي يميز بين جنس الذكر وجنس الأنثى، وصحيح أن المرأة، نسبيا وبحكم بعض المعطيات، تبقى أكثر عاطفية من الرجل لكن ذلك لا يمكن بأي حال أن يبرر أشكال التمييز التي لاحظناها في المجال والأدوار الاجتماعية التي تكتفي فيها المرأة بأدوار إعادة الانتاج، بل إن التنشئة الاجتماعية يبقى لها دور أساسي في منح كلا الجنسين فرصا متكافئة في ولوج كافة المجالات والاضطلاع بكافة الأدوار، وبالتالي خلق فرص حقيقية للتنمية نستفيد فيها من كل الطاقات والمؤهلات ذكورية كانت أو أنثوية.
يمرر الكتاب المدرسي صفة "الحنان" "على سبيل المثال لا الحصر" كخاصية أنثوية تمتد إلى تفكير الفتاة و تمثلاتها، ففي نص قرائي بأحد الكتب المدرسية  تبدو هذه الفتاة وهي تلعب بالورق مع أخيها الذي فكر في صناعة صاروخ، في الوقت الذي دفعت فيه العاطفة الصغيرة سناء لتصنع بالورق عصفورا، ليعود الخطاب المتواري ويمارس عنفه الرمزي على الفتاة التي لا يحق لها أن تفكر في التحليق بعيدا عبر الصواريخ، ولذلك نفهم كيف ولماذا كان ميشيل فوكو منشغلاً على مدار تحليلاته بالكشف عما يكبل الجسد، ويقيده، لأن ذلك في رأيه تكبيل للعقل، ففك أغلال الجسد من آليات التوجيه والنفي والترويض هو إطلاق سراح العقول من سراديب الحجر والزيف[3]. هكذا لا يجوز للفتاة أن تطلق العنان لعقلها كي يفكر، وتطمح لكي تدرك العلا فهو من شأن الفتيان رجال الغد، أما الفتيات "النساء"، فمهمتهن الرعاية والوداعة والرقة، لذلك كان لهن أن يلعبن ويفكرن في صنع العصافير، فجاء عنوان النص القرائي كالتالي: صاروخ وعصافير[4]، الصاروخ "للذكر" أولا، والعصافير "للأنثى" ثانيا.
وهكذا تستبطن المتعلمة ويستبطن المتعلم صورة المرأة ككائن من "جنس لطيف"، كائن عاطفي، في مقابل الرجل ككائن عقلاني، ومن تم تتحدد الأدوار والعلاقات الاجتماعية، وبذلك يتشكل البناء الاجتماعي للجسد وفق قاعدة التقابلات بين الجنسين حيث، وكما وقفنا مع بيير بورديو، هذا البناء الاجتماعي بقدر ما يجعل الفوارق الاجتماعية تبدو طبيعية، فهو كذلك يريد أن يجعل من الفوارق الطبيعية تبريرا للفوارق الاجتماعية ويحول الاختلافات البيولوجية إلى اختلافات في المكانة الاجتماعية[5].




[1] - بوبكري محمد، التربية والحرية، من أجل رؤية فلسفية للفعل البيداغوجي، مرجع سابق، ص: 109.
[2] - سيمون دو بوفوار، عن أورزولاشوي، أصل الفروق بين الجنسين،  مرجع سابق، ص: 16.
[3] - حسني إبراهيم عبد العظيم:" ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد"، مرجع سابق.
[4] - المرجع نفسه، ص: 161.
[5] - بيير بورديو، عن معادي زينب، الجسد الأنثوي وحلم التنمية، مرجع سابق.

بيداغوجيا الادماج بين تناسق النموذج وإكراهات الممارسة البيداغوجية


                     
"بيداغوجيا الإدماج بين تناسق النموذج و إكراهات الممارسة البيداغوجية"
        "دراسة حالة"
خالد زروال
مفتش تربوي بنيابة تنغير
 
مقدمة:
إن موضوع التربية عموما والبيداغوجيا خاصة يموضعها في إطار يتأرجح بين الانتاج الرمزي المولد للانساق البيداغوجية، المستندة إلى مرجعيات مجردة توجه النموذج البيداغوجي المنشود، وبين القوالب المادية والحسية التي تحول زخم النظرية إلى حقيقة سارية المفعول،  والفرق بين اللحظتين يكمن أساسا في مِؤشرات  درجة تشبع  الممارسة اليومية  بمبادئ ذلك النموذج البيداغوجي ، ودرجة انخراط الممارس البيداغوجي في إرساء هذا النموذج.
عرفت المنظومة التربوية بالمغرب خلال السنوات الأخيرة في إطار الاصلاح التربوي المنشود، عرفت الشروع في إرساء بيداغوجيا الادماج كنموذج بيداغوجي جديد وإطار منهجي للمقاربة بالكفايات، قبل أن نفاجأ، في ظل سياقات خاصة ، بتوقيف العمل بها من طرف الوزير السابق دون تشاور مع الفاعلين المعنيين ودون الاستناد إلى أي تقييم ميداني لهذه البيداغوجيا.
وغني عن البيان ما أثارته هذه البيداغوجيا من سجال كبير في الأوساط التربوية، بين مختلف الفاعلين، خاصة في وسط هيئة التدريس، سجال يرقى أحيانا إلى مراتب النقاش العلمي الرصين، وأحيانا أخرى لا يعدو أن يكون أكثر من مظهر من تمظهرات استراتيجية  "المقاومة" التي تصاحب كل تغيير منشود في شتى الحقول  champs  بلغة  بيير بورديو، سواء تعلق الأمر بحقل الفعل البيداغوجي أو بحقول الفعل الاجتماعي بشكل عام.
ومهما تكن طبيعة هذا السجال فإنها تدفعنا للتأمل والتفكير،  وفقا للمدخل الذي اخترناه لمقاربة هذا الموضوع، في علاقة النموذج البيداغوجي بطبيعة الممارسة البيداغوجية،  باعتبارها حالة تربوية تستحق الدراسة في ضوء السجالات والمقاومات التي تعرفها الساحة التعليمية مند الشروع في إرساء بيداغوجيا الإدماج.
فإذا كانت بيداغوجيا الادماج نموذجا نظريا متناسقا تم تبنيه لعدة اعتبارات،  وبناء على تجارب دولية ناجحة، فإلى أي حد يمكن ضمان نجاعة هذا النموذج في ضوء الممارسات البيداغوجية  التي عايناها  في إطار التداريب الميدانية كطالب مفتش أولا وكمختص تربوي ثانيا.  في هذا الصدد لابد من التأكيد على طبيعة العلاقة بين النموذج  والممارسة البيداغوجيين وهي علاقة جدلية ، في نظرنا، لا يمكن الرهان على أحد أطرافها دون الآخر، فلا معنى للنموذج في غياب الممارسة ولا جدوى وراء ممارسة بيداغوجية تفتقر لتصور نظري واضح ومنسجم.
إذا كانت بيداغوجيا الإدماج نموذجا بيداغوجيا متسقا من الناحية النظرية، فإلى أي حد تبدو الممارسة البيداغوجية منسجمة مع هذا النموذج، وإلى أي حد يبدو هذا النموذج  ذاته قابلا لمواكبة الممارسة البيداغوجية وخصوصياتها؟  وقادرا على التكيف ومعطيات الوضعيات البيداغوجية بالمدرسة المغربية على اختلافها وتنوعها، بعيدا عن كل صورة نمطية قد تختزل النموذج والممارسة معا؟
نحن إذا أمام اشكالية المقاربة البيداغوجية في علاقتها  بفعل التدريس والتعلم، ذلك أن للمقاربة البيداغوجية ارتباطا عضويا بهذا الفعل، من حيث كونها تشكل،  مبدئيا على الأقل، الإطار الناظم لتدبير عمليات التدريس ولتوجيه أنشطة التعلم، غير أن قراءة أولية  للواقع التعليمي الميداني تكشف عن مفارقات وتقابلات ينطوي عليها ذلك الواقع، حيث المفارقة قائمة بين الخطاب وواقع الممارسة الميدانية، ذلك أن التجديد المؤسساتي للمقاربات البيداغوجية المعتمدة على مستوى الخطاب والتوجيهات الرسمية غالبا ما لا تواكبه التدابير الكفيلة  بتأمين التجسيد العملي الناجع لمستلزماته و أهدافه[1] في الممارسة البيداغوجية.
لمقاربة هذه الاشكالية: النموذج- الممارسة، سنحاول في البداية الإحاطة النظرية بأهم المفاهيم التي نود التطرق إليها  في هذه الدراسة حيث سنتعرف مفهوم المقاربة البيداغوجية بشكل عام و نحيط نظريا ببيداغوجيا الإدماج تحديدا، قبل أن نرصد ميدانيا واقع الممارسة البيداغوجية وفق مقاربة الادماج عبر تقنيتي الاستمارة والمقابلة وسنبرر لاحقا لماذا الجمع بين هاتين التقنيتين، كأداتين للبحث.
1.     التحديد النظري للمفاهيم:
في مفهوم المقاربة البيداغوجية:
حسب عبد الكريم غريب في المنهل التربوي،  المقاربة البيداغوجية  هي كيفية النظر في الظواهر البيداغوجية وفق استراتيجيات وطرائق و تقنيات معينة. والمقاربة البيداغوجية  نسق منسجم من العناصر التي تشكل التواصل البيداغوجي[2].
والمقاربة البيداغوجية الفعالة ليست اختبارية، بل استكشافية لمكامن القوة و الخلل في سيرورة تربوية محددة، وأساس وضع المتعلم "ككائن إنساني في صلب الاهتمام البيداغوجي وكما يقول جاستون ميالاري "إن كائنا إنسانيا أو وضعية إنسانية، كما هو حال الوضعيات التربوية، لا يوجد إلا وسط نسيج من العلاقات الجدلية التي تشكل قسطا من المضمون والشكل" [3]، وتبقى المقاربة البيداغوجية الناجعة مؤسسة على استيعاب حاجة الفرد لما هو أساسي و راهني في أفق دمجه في المحيط التربوي على أساس المرونة.
إن الأساس العقلاني  لكل مقاربة نقدية لابد أن يتمثل في معايير دقيقة، وهي معيار الموضوعية حيث الاستناد إلى وقائع ومؤشرات تهم مادة التدريس وواقع المؤسسة ونمط المدرس، ثم معيار الملائمة أي توافق هاته المقاربة مع السياق التربوي والمؤسساتي حتى لا تبقى البيداغوجيا المعلنة مقاربة منفصلة، ومتعالية، وبعيدة عن المطالب التربوية ولا تراعي خصوصيات المتعلم والمدرس  والأهداف العامة للتعليم.[4]
بيداغوجيا الادماج:

لقد جاء البرنامج الاستعجالي ليعطي نفسا جديدا لإصلاح المنظومة التربوية مراهنا على إصلاح بيداغوجي لا يقف عند باب الفصل الدراسي، بل يتأسس على جعل المتعلم في قلب منظومة التربية والتكوين وتسخير جميع الموارد الأخرى في خدمته.
وفي هذا الإطار يستهدف  المشروع E1P8  للبرنامج الاستعجالي، والمتعلق باستكمال إرساء المقاربة بالكفايات، توفير إطار منهجي واضح الصياغة عمليا وإجرائيا. وقد تم اعتماد بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي لييسر للمدرسين والمدرسات إمكانات الممارسة الفعلية للمقاربة بالكفايات وتصريفها بشكل عملي وإجرائي داخل الفصول الدراسية.
بيداغوجيا الادماج،  كمقاربة بيداغوجية، هي نسق ونموذج نظري للتعامل مع الوضعيات البيداغوجية فماهي أهم مكونات هذا النسق؟ ما هي أهم الأدوات المعتمدة في تدبير هذه البيداغوجيا؟ كيف يتم تخطيط التعلمات ؟ ما موقع أسبوعي الإدماج؟ كيف تتم معالجة تعثرات المتعلمين وفق هذه البيداغوجيا؟

نشير في البداية إلى أن المنطق الذي يحكم بيداغوجيا الإدماج نظريا ويحفظ لها خيطا ناظما هو منطق نماء الكفاية، ذلك أن الإدماج وفق هذه المقاربة هو تصور شمولي يضع صوب عينيه نماء الكفاية ، لكن عبر مسار إجرائي وملموس، منذ بداية الفعل البيداغوجي، بدءا بأول حصة للتقويم التشخيصي في الأسبوع الأول من السنة الدراسية وصولا إلى آخر مستوى من نماء الكفاية في التقويم الإشهادي خلال الأسبوع الأخير من السنة الدراسية، مع إجراءات المعالجة المصاحبة لهذه التقويم، هذا الإنماء تم التخطيط له على مدى أربعة مراحل وفق ما يلي:



 

















أما على صعيد كل مرحلة فإن البيداغوجيا تضع تصورا إجرائيا لنماء الكفاية، منذ التقويم التشخيصي، كما سبقت الإشارة، مرورا بأسابيع إرساء الموارد، مع تخصيص الأسبوعين الثالث والسادس، في وحدة اللغة العربية،[5] لتقويم الموارد المكتسبة إثر كل وحدة ديداكتيكية والتوليف بينها، وصولا إلى أسبوعي الإدماج، وذلك وفق ما يأتي:
إنماء الكفاية عبر:
إرساء الموارد:  في الأسابيع الست الأولى:
- تعلم الموارد وتقويمها ؛
- مراجعتها ودعم المكتسبات؛
- الرّبط بين الموارد ؛
- التّلخيص؛
التّوليف؛
الإدماج: في الأسبوعين السابع والثامن:
- تعلم دمج الموارد؛
- تقويم درجة نماء الكفاية؛
- معالجة خلل التعلّم في إنتاج المتعلمين من أجل الرّفع من قيمة الإنتاج ومن ثمّة إنماء الكفاية.  
إذن، وكما يتضح، فإن منطق الإدماج يبدأ منذ الاسبوع الأول من السنة الدراسية، المخصص للتقويم التشخيصي، وسيستمر طيلة أسابيع المرحلة، حيث تخصص الأسابيع الست الأولى لإرساء الموارد وتقويمها ثم تلخيصها والتوليف بينها، تمهيدا لإدماجها في الأسبوعين السابع والثامن. فالإدماج نسق لا يمكن تجزيئه أو حصره في أسبوعين فقط، بل هو سيرورة تمتد طوال السنة غايتها نماء الكفاية، وذلك وفق المبادئ التالية:
الحرص على التأكد من توفر الموارد الضرورية للاستمرار في نماء الكفاية، وتلك وظيفة التقويم التشخيصي لبداية السنة الدراسية، وكذلك وظيفة الدعم الموجه للتلاميذ الدين انتقلوا من المستويات الفردية دون أن يستوفوا شروط النجاح التي ذكرتها المذكرة 204[6]، قبل الشروع في إرساء موارد جديدة، وهنا يحضر إدماج التعلمات اللاحقة بالتعلمات السابقة في إطار احترام السيرورة الذهنية للمتعلم، باعتبار المفاهيم والمعرفة عموما لها منطق تاريخي دياكروني يحكمها من الناحية الإبستيمولوجية.[7]
واحتراما لهذا المنطق الدياكروني تقارب بيداغوجيا الإدماج الكفاية وفق مقاربة نمائية تسير بالتدرج من البسيط إلى المركب عبر مراحل تفصلها محطات للتقويم والدعم والتلخيص ثم التوليف قبل الإدماج والمعالجة وذلك من خلال احترام المبادئ التالية:
عند التخطيط لإرساء الموارد يجب:
-         انتقاء الموارد ذات الصلة بالكفاية المستهدفة؛
-         صياغة الموارد في شكل أهداف تعلمية؛
-         التأكد من تملك الموارد: تقويم ومعالجة متصلة بالموارد؛

·        خلال أسبوعي الإدماج، يجب التعامل مع التعلمات التي تم إرساؤها دون السعي لاكتساب تعلمات جديدة؛
·        احترام قدرة المتعلم على التركيز؛
·        يخصص الأسبوع الأوّل لتعلّم الإدماج (الوضعية 1)؛
·        والأسبوع الثاني لتقويم القدرة على الإدماج (الوضعية 2)؛
·        إضافة إلى المعالجة الفورية التي تصاحب أنشطة التعامل مع الوضعية الإدماجية؛
·         تُعْتَمد المعالجة المركزة بالنسبة للمواد الأداتية: (اللغة العربية، الرياضيات، اللغة الفرنسية).

بعد أن وقفنا عند الإطار النظري لبيداغوجيا الادماج والمنطق الذي يحكمها كمقاربة بيداغوجية نسقية، سنسائل الممارسة الميدانية إلى أي حد تلتزم بتوجيهات هذه البيداغوجية،  دون أن نغفل كذلك مساءلة البيداغوجيا نفسها إلى أي حد كذلك تبدو قابلة للتكيف مع  خصوصيات الممارسة البيداغوجية بكل أطرافها [8]، أين تكمن صعوبات الأجرأة وما مرد تلك الصعوبات،  هل للممارس أم لظروف الممارسة أم للبيداغوجيا في حد ذاتها؟ ذلك ما سنحاول تقصيه من خلال زيارات ميدانية قمنا بها أثناء التدريب الميداني كطالب مفتش[9]، مسلحين بأداتين للبحث "الاستمارة والمقابلة"، لكن قبل عرض نتائج هذا التقصي حري بنا أن نقدم تحديدا منهجيا لهاتين التقنيتين مع تبرير إبستمولوجي للجمع بينهما.
2.     منهجية البحث:
تقنية الدراسة:
طبعا،  لرصد الممارسة البيداغوجية في علاقتها بمقاربة الإدماج ميدانيا كان لابد من مؤشرات لقياس تلك الممارسة، وهي المؤشرات التي ترتبط بشكل مباشر بتصور هذه البيداغوجية للفعل البيداغوجي، لذلك فقد استعننا بشبكة موجهة لتتبع أسبوعي الإدماج في شكل استمارة لكنها تحتاج إلى تواجد مباشر للباحث مع المبحوث[10]، ولعل هذا ما سمح لنا باستعمال  تقنية المقابلة  كذلك في نفس الوقت، مما وفر لنا غنى في المعلومات، ذلك أن الشبكة" الاستمارة" مكنتنا من جمع معلومات حول الممارسة البيداغوجية بشكل قابل للتكميم  وبالتالي عقد مقارنات لتفسير ممارسة معينة أو هيمنة مؤشر وغياب آخر، وفي نفس الوقت ستمكننا المقابلة من تجاوز عيوب الاستمارة الكامنة أساسا في التزييف الإرادي للأقوال من طرف المستجوبين، ذلك أن المقابلة تسمح بأخذ معلومات كيفية بهدف التعرف العميق على الأشخاص المبحوثين، و هي أفضل التقنيات لكل من يريد استكشاف الحوافز العميقة للأفراد واكتشاف الأسباب المشتركة لسلوكهم[11].
عينة ومجال الدراسة:
الدراسة شملت 60 أستاذة وأستاذا  وغطت جميع  المستويات الدراسية وتمت بنيابة الرشيدية.
لقد مكنتنا التقنيتان معا من رصد الممارسة البيداغوجية  بالمنطقة التربوية التي عايناها عن قرب والتحقق من علاقة تلك الممارسة بالنموذج التربوي الذي تتبناه بيداغوجيا الإدماج،  فما علاقة هذه الممارسة بذلك النموذج؟ إلى أي حد يلتزم الممارسون "الأساتذة" بمقتضيات و توجيهات هذه البيداغوجيا؟ ما هي الحصيلة التي تحققت على الميدان ؟ ما هي إكراهات التفعيل و الأجرأة؟ وما هي سبل التحسين والتطوير؟
3.   الإطار العملي للدراسة: الممارسة الميدانية لبيداغوجيا الإدماج:
نشير في البداية إلى أن الشبكة الموجهة لاستجواب الأساتذة تغطي كافة مراحل بيداغوجيا الإدماج من خلال معايير ومؤشرات تعكس بدقة جميع إجراءات تفعيل الخطوات البيداغوجية وفق هذه المقاربة [12] وتشمل الشبكة المعايير التالية:
·        توفر العدة اللازمة للاشتغال ببيداغوجيا الإدماج.
·        الإعداد لأسابيع الإدماج.
·        التخطيط  المرحلي للتعلمات.
·        تخطيط اسبوعي الإدماج.
·        استثمار الوضعية بكل مراحلها الأربعة:

-         مرحلة تقديم الوضعية.
-         مرحلة الإنتاج.
-         مرحلة التحقق.
-         مرحلة المعالجة: مع التركيز على المواد الأداتية.
يمكن القول إن الدراسة مكنتنا من الوقوف على الهوة التي لازالت تفصل التصور النظري لنموذج بيداغوجيا الإدماج من جهة، والممارسة البيداغوجية من جهة ثانية، على الرغم مما تحقق ميدانيا من ذلك النموذج، يمكن استنتاج ذلك في ضوء ما سجلناه بناء على تفريغ ل 60 استمارة وتحليل ل 20 مقابلة حيث كانت النتائج كالتالي:
·        معيار العدة: لم نسجل بخصوص هذا المعيار ولو حالة واحدة نفت حصول الأستاذ المستجوب على العدة اللازمة للاشتغال بما فيها دليل الإدماج و التوفر على كراس الوضعيات بعدد كاف.
·        معيار الإعداد لأسابيع الإدماج: 24 مستجوبا أجمعوا على الانتهاء من إرساء الموارد وفق الغلاف الزمني المخصص للعملية، في مقابل 6 مستجوبين لم يتمكنوا من إرساء جميع الموارد وبرروا ذلك بكثرة الموارد المبرمجة، وعدم كفاية الغلاف الزمني المخصص لذلك.
·        معيار التخطيط المرحلي للتعلمات:  جميع المستجوبين أبدو تأكيدهم لتخطيط التعلمات، غير أن 27 منهم يقرون بعدم تحديد جميع الموارد المتصلة بالكفاية، أثناء التخطيط للتعلمات.
·        معيار تخطيط أسبوعي الإدماج: بخصوص هذا المعيار كل المستجوبين  ينجزون تخطيطا لتدبير أسبوعي الإدماج، مع التنصيص على مراحل استثمار كل وضعية، بخصوص الحيز الزمني يِؤكد جميعهم على أن الوقت كاف ويزيد، لاستثمار كل وضعية من الوضعيات.
·        بخصوص مؤشر "التنصيص على المعالجة المركزة في المواد الأداتية"، تبين لنا من خلال سبر الآراء أن مفهوم المواد الأداتية غير مستوعب لدى 90%  من المستجوبين، حيث أكدوا أنهم لأول مرة يسمعون بهذا المفهوم.
·        بخصوص المؤشرات المرتبطة بتقديم الوضعية، يتبين أن جل المستجوبين لا يجد إشكالا في هذه المرحلة، كما أن جلهم يتعامل مع استثمار جميع مكونات الوضعية " سند، عنوان، سياق.." بالطريقة التي تنص عليها المقاربة البيداغوجية نظريا، غير أنه وفي علاقة بمؤشر "استخراج المعلومات الضرورية من الوضعية" أكد كل المستجوبين أن الإيحاء بالأجوبة ضروري في ظل تعثر غالبية التلاميذ، بل إننا واجهنا، أثناء هاته الدراسة، حالة، بإحدى المؤسسات،  يقر فيها الأستاذين المستجوبين بأنهما يصرحان أحيانا بالأجوبة للتلاميذ و رغم ذلك فهؤلاء لا يوفقون في حل الوضعية.
·        فيما يخص المؤشرات المتعلقة بمرحلة الانتاج: يؤكد 90% من المستجوبين أنهم يتيحون للمتعلمين فرصة التقاسم في الوضعية الأولى، وأن المتعلمين يأخذون الوقت الكافي لحل الوضعيات، سواء أثناء التقاسم أو أثناء الإنجاز الفردي، غير أن جلهم يِؤكد أنه يسمح للتلاميذ بالتقاسم حتى خلال الوضعية الثانية، وهي الوضعية التي تخصص، نظريا، للإنجاز الفردي على اعتبار أن الوضعية وظيفتها تقويمية لأجل التكوين، بالمرحلتين الأولى والثانية، والتكوين ثم الإشهاد في المرحلتين الثالثة والرابعة، كما أننا نسجل فيما يخص مؤشر "خصوصية الوضعية الشفهية" أن جل المستجوبين لا يعيرون أي اهتمام خاص لهذه الوضعية، وارتباطا بمؤشر "دعم المتعثرين دون الإيحاء بالجواب" فإن كل المستجوبين يقرون بأنهم يوحون للمتعثرين بالجواب في غالب الوضعيات.
·        وفي علاقة بمؤشرات التحقق: فإن 95% من المستجوبين يؤكدون احترامهم لمرحلة التحقق خلال استثمار الوضعيات الإدماجية، غير أن جلهم لا يميز بين التحقق كمرحلة من مراحل استثمار الوضعية، وبين التحقق كسيرورة تشمل كافة تلك المراحل، كما أن غالبية المستجوبين يغفلون عملية التحقق الذاتي تحت مبرر تعثر مستوى التلاميذ أو مبرر الاكتظاظ. أما فيما يخصص المؤشرات المتصلة بالمعالجة الفورية فإن المستجوبين يِؤكدون على أنهم لا يقومون، إلا ناذرا، بهذه العملية والسبب هو مشكل الاكتظاظ.

4.    قراءة تحليلية في نتائج الدراسة:
يتبين من خلال النتائج التي أوردناها، والتي نقر أنها تهم عينة محدودة لا يمكن  أن نجزم بتعميم نتائجها، وبالتالي لا يمكن أن نقوم من خلالها بتقييم موضوعي لتفعيل بيداغوجيا الإدماج في الميدان، بل إن دراستنا لهذه الحالة، هي مجرد رصد أولي لسير هذه البيداغوجيا، ربما يفتح أمامنا مستقبلا المجال لدراسة أوسع وأشمل ، لكن تحفظنا هذا لم يمنعنا من تسجيل ما يلي:
على الرغم مما تحقق من تطورات على مستوى الممارسة البيداغوجية اليومية، فإن صعوبات كثيرة لازالت تعترض تلك الممارسة كي ترقى إلى مستوى النموذج البيداغوجي المنشود نظريا، فالمقاربة البيداغوجية، كما أوردنا في الإطار النظري لهذه الدراسة، هي نسق متناغم يؤطر الفعل البيداغوجي، وهو ما يعني أن الإخلال بأحد مكونات هذا النسق هو إخلال بالنسق ككل: فتغييب مرحلة المعالجة، كمرحلة أساسية في تصور بيداغوجيا الإدماج، أكيد أنه سيؤثر على مردودية هذه البيداغوجيا ككل، كما أن عدم التركيز على المواد الأداتية خلال هذه المرحلة، من شأنه أن يؤثر على تصور البيداغوجيا لعملية التقويم، فمعلوم أن المذكرة 204 المنظمة للتقويم وفق بيداغوجيا الإدماج، تنص على أن المعيار الأول لتحكم المتعلم في الكفاية،  و بالتالي نجاحه إلى المستوى الموالي،  يبقى هو معيار التحكم في الكفايات – أ- وهي الكفايات المرتبطة تحديدا بالمواد الأداتية.
إن منطق تدريب المتعلم على آلية الإدماج  وبالتالي التحكم في الكفاية كغاية أساسية، يقتضي أن يتعلم المتعلم في مرحلة أولى معنى الإدماج، قبل أن نمر إلى مرحلة تقويم الإدماج في الوضعية الثانية، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل ما عايناه خلال هذه الدراسة، حيث غالبية المستجوبين يقرون بأنهم يسمحون للمتعلمين بالتقاسم في الوضعيتين معا، كما أن الكثير منهم يقر بالإيحاء للمتعلمين بالأجوبة، بل وبعضهم يصرح أحيانا بتلك الأجوبة، هذا في الوقت الذي تنص فيه بيداغوجيا الإدماج، نظريا، على ألا يتم حتى مجرد الإشارة إلى الموارد التي يمكن للمتعلم تعبئتها لحل الوضعية وذلك لأن ميكانزيم الإدماج يتطلب بالضرورة أن يتوصل المتعلم ، ذاتيا، إلى حصر الموارد التي يلزمه تعبئتها في حل الوضعية.
إن منطق الإدماج، وكما أشرنا إليه في التحديد النظري لبيداغوجيا الإدماج، لا ينحصر زمنيا ولا بيداغوجيا، في الأسبوعين السابع والثامن، فعلى عكس ما يتمثله بعض الممارسون البيداغوجيون "الأساتذة"، تنص البيداغوجيا وخلفيتها الفلسفية والسيكو معرفية  على أن الإدماج  سيرورة تنطلق منذ التقويم التشخيصي في بداية السنة الدراسية، وتتدرج من البسيط إلى المركب وعبر كافة الأسابيع بما فيها أسابيع الإرساء التي تقتضي بدورها محطة لتقويم الموارد وتلخيصها ثم التوليف بينها وذلك بغرض تدريب المتعلم على ميكانزمات الإدماج، ما دامت الموارد المكتسبة، ليست غاية في حد ذاتها، بقدر ما هي موارد تخدم أساسا غاية استراتيجية تتجلى في نماء الكفاية والتحكم فيها من لدن المتعلم، إن هذا المنطق يغيب، على الأقل لدى المستجوبين في هذه الدراسة، حيث لا مجال للحديث عن الإدماج، في رأيهم، إلا في أسبوعي الإدماج السابع والثامن، وبالتالي، و في ضوء هذه القراءة،  نعتقد أن معنى الإدماج غير حاضر في هذه الحالة بشكل كامل، الشيء الذي سيؤثر لا محالة على الممارسة البيداغوجية وعلاقتها بروح ومنطق بيداغوجيا الإدماج.

5.   استنتاجات وحلول مقترحة:
نعتقد أنه، وفي ضوء نتائج هذه الدراسة، من بين الأسباب الرئيسية التي تقف وراء الصعوبات التي تعترض التفعيل الميداني لبيداغوجيا الإدماج، كمقاربة متكاملة، نسجل ما يلي:
أولا، ومن خلال تقنية المقابلة، وما توفره من إمكانية لرصد مواقف هيئة التدريس من هذه البيداغوجيا، المواقف المعلنة وغير المعلنة، نسجل أن المقاومة ، التي يبديها جزء غير يسير من هذه الهيئة، جعلت الأستاذ يكون مسافة نفسية إزاء هذه البيداغوجيا، وهو ما يعيق تمثله أولا للبيداغوجيا ككل، وثانيا، انخراطه في أجرأة وتفعيل مقتضياتها.
يتبين كذلك، أن تصور الأساتذة لمقتضيات البيداغوجيا يختلف من أستاذ لآخر، كما أن بعض المقتضيات تغيب أحيانا لدى بعض الأساتذة، كما هو الشأن في مسألة المواد الأداتية التي تغيب عن دهن الكثير منهم، وهو ما يجد تبريره، في تقديرنا، ومن خلال تقنية المقابلة، في اختلاف ما تلقوه في التكوينات التي استفادوا منها، باختلاف  الفرق التي أشرفت على التكوين.
و إذا كانت عملية التكوين قد أشرف عليها، إلى جانب هيئة التأطير والمراقبة، أساتذة مكونون من مراكز التكوين أو من جهات أخرى، فإن ذلك على ما يبدو، كان له أثر بالغ على مستوى التتبع والمصاحبة، ذلك أنه من المفروض أن تتم عملية المصاحبة والتتبع تلك من طرف الفريق الذي أشرف على عملية التكوين، وهو ما لا يمكن قانونيا ولا تنظيميا، وبالتالي كان لذلك أثره في أجرأة وتفعيل ما تم تقديمه من مقتضيات ومعلومات بيداغوجية خلال فترة التكوين.
من الأسباب التي تحول دون تفعيل بيداغوجيا الإدماج بالشكل اللازم، عدم تمكن الأساتذة من ضبط التصور الكامل لهذه البيداغوجيا، وهو ما يعود، في نظر غالبيتهم، إلى عدم كفاية الغلاف الزمني المخصص للدورات التكوينية في هذه البيداغوجيا وكذلك للتكوين المستمر بشكل عام.
غير أن إشكالية العلاقة بين الممارسة البيداغوجية والمقاربة البيداغوجية، وهي الإشكالية التي حاولنا مقاربتها في هذه الدراسة، هي إشكالية لا يمكن بأي حال أن نحصر أسبابها في هيئة التدريس فقط، ذلك أن إحدى أهم الحلقات التي تكون النموذج البيداغوجي الجديد " بيداغوجيا الإدماج"،  ألا وهي حلقة "الدعم"، تبقى غائبة في الميدان، ففي غياب الدعم التربوي بشكل مؤسساتي يصعب الحديث عن تحكم المتعلم في الموارد الضرورية لفعل الإدماج، وفي ظل ظاهرة تعثر المتعلمين التي يبرر بها الأساتذة، غالبا،  تعثر هذه البيداغوجيا، يجد الباحث نفسه مضطرا إلى الإقرار بكون غياب الدعم التربوي للفئة المتعثرة يبقى أحد أهم الإكراهات الأساسية لتعطيل الممارسة البيداغوجية وفق بيداغوجيا الإدماج، فإذا كانت المذكرة 204 تنص على أنه من حق المتعلم الذي لم يتمكن من التحكم في الكفاية أو في الموارد خلال المستويات الفردية، من حقه المرور إلى المستوى الموالي، فإن ذلك يبقى غير ذي معنى في غياب الدعم التربوي لهذه الفئة من المتعلمين، وهو ما تنص عليه هذه المذكرة. إن قضية الدعم في تقديرنا قضية محورية ينبغي التعامل معها بكثير من الحزم، لأجل تجاوز الإكراهات التي تجابه تفعيل بيداغوجيا الإدماج ميدانيا، في هذا الإطار لابد من تخصيص أساتذة للدعم التربوي تكون مهمتهم الأساس هي دعم الفئات المتعثرة التي لم تتمكن من الموارد في كل مستوى دراسي معين، وذلك تيسيرا لنماء الكفاية والتحكم فيها.
وفي علاقة بمسألة التكوين المستمر أظن أن تفعيل أدوار الأستاذ المرشد وكذلك الأستاذ المورد سيكون له بالغ الأثر في تأهيل هيئة التدريس للاضطلاع بدورها والانخراط في تفعيل بيداغوجيا الإدماج، كما أن انخراط الأستاذ المرشد و الأستاذ المورد من شأنه أن يحل مشكل المصاحبة والتتبع للأستاذ لأجل تطوير الممارسة البيداغوجية، وبالتالي حل معضلة الخصاص الكبير التي تعانيه أعداد هيئة التأطير والمراقبة التربوية[13]، التي لا يمكنها، في ظل أعدادها جد المحدودة، أن تضطلع بمهامها في التأطير والمصاحبة والتتبع.
على سبيل الختم:
في غياب الانخراط الجدي والمسؤول لهيئة التدريس في تفعيل بيداغوجيا الإدماج،  يصعب الحديث عن تجاوز إشكالية العلاقة بين النموذج النظري والممارسة الميدانية، وهو ما يقتضي تظافر الجهود من طرف كافة المتدخلين لتوفير الظروف اللازمة لتجويد الممارسة البيداغوجية وعلى رأس تلك الظروف، قضية التكوين المستمر للأستاذ، وقضية الدعم التربوي للمتعلم، إضافة إلى مشكل الاكتظاظ.









[1] - عبد اللطيف المودني، "المقاربات البيداغوجية ومفارقاتها"،  عن مجلة دفاتر التربية والتكوين، العدد الثاني، الدار البيضاء، مكتبة المدارس، 2010، ص:18.
[2] -عبد الكريم غريب، المنهل التربوي- الجزء الأول، منشورات عالم التربية، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2006، ص: 88.
[3] عبد اللطيف الخمسي، عن مجلة دفاتر التربية والتكوين، مرجع سابق، ص: 32.
[4] -المرجع نفسه، ص: 33.
[5] -نكتفي هنا بالمواد التي تهم وحدات اللغة العربية على سبيل المثال.
[6] -المذكرة الوزارية رقم: 204، الصادرة بتاريخ: 29 دجنبر2010، في موضوع التقويم والامتحانات بالتعليم الابتدائي.
[7] - بنعبد العالي عبد السلام ويفوت سالم، درس الابستمولوجيا، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، 1985، ص 57.
[8] - نقصد، هنا بأطراف الممارسة البيداغوجية عناصر المثلث البيداغوجي: أستاذ، تلميذ، محتوى.
[9] - الدراسة قمنا بها أثناء التدريب الميداني الذي أنجزناه بنيابة الرشيدية، في إطار التكوين الأساس كطالب مفتش بالمركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم بالرباط، خلال الموسم الدراسي 2010-2011.
[10] - موريس انجرس، منهجية البحث في العلوم الإنسانية، ترجمة بوزيد صحراوي ومن معه، الجزائر، دارالقصبة للنشر، طبعة ثانية منقحة، 2006، ص: 129.
[11] - المرجع نفسه. ص: 145.