"المساواة بين الجنسين"
بين رهان الخطاب و أسئلة الواقع
" خالد زروال،مراد دحاني،مصطفى بتي،صالح العسكري،مصطفى العامري"
طلبة مفتشون:المركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم
طلبة مفتشون:المركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم
"لا يأتي المرء إلى هذا العالم كمرأة، بل يجعلون منه كذلك"
سيمون دو بوفوار: العادات والجنس عند المرأة
"المساواة بين الجنسين": عبارة كثيرا ما نسمعها حتى كادت تصير شعارا، ووظيفة الشعار بتعبير "أوليفي روبول" إيديولوجية "حالمة"، تريد أن تجعل المخاطب يعيش مضمون هذا الشعار على مستوى الحلم "إيديولوجيا"، اكثر مما يعيشه على مستوى الواقع.
هو حكم يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ، ونحن لا نحمل أحكاما بقدر ما نفتح أسئلة؟
ما المقصود بهذه العبارة "المساواة بين الجنسين"؟ ذلك ما نود الإجابة عنه، إن كان الجواب ممكنا، أما الحكم بكون العبارة شعارا أم لا فذلك ليس من اهتمامات هذا العرض.
المساواة بين الجنسين تعني بكل بساطة هدم الفروق بين هذين الجنسين و هو ما يقتضي معرفة طبيعة هذه الفروق و أصلها.
طبيعة الفروق بين الجنسين:
تجملها "شتيفان" فيما يلي: غالبا ما توصف المرأة بصفات من قبيل: العاطفية والسلبية، والاهتمام بالأشخاص، والإتقان و الشعور بالواجب وضبط النفس، والاستعداد للمساعدة و الطاعة والخضوع والترتيب والأعمال التكرارية، الأعمال الرتيبة والمهارة اليدوية والشعور الضعيف بالذات...إلخ.
هي كلها مقدمات لمداخل تكريس الفروق بين الجنسين، وهي كثيرة، سنقتصر على أهمها على الإطلاق وهو "التقسيم الاجتماعي للعمل".
أصل الفروق بين الجنسين:
فهل تلك المميزات التي توصف بها المرأة سبب أم نتيجة للتقسيم الاجتماعي الجنساني للعمل؟ هل هي فطرية أصلية في المرأة؟ أم انها مكتسبة و نتيجة لهذا التقسيم قبل أن تكون سببا فيه؟
اتجاهان مختلفان:
- الإتجاه البيولوجي:
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن هذه الفروق فطرية فالمرأة لها استعداد بيولوجي يؤهلها لتقبل تلك الصفات المميزة لها "عاطفية مثلا" ومن تم يؤهلها في اطار التقسيم الاجتماعي للعمل لتقبل أدوار بعينها دون أخرى: خاصة اعمال الامومة وما يتصل بها من أعمال البيت و بعض الادوار الاجتماعية الثانوية التي تتناسب و تكوينها البيولوجي من قبيل 'ممرضة، معلمة.." أما وظائف الإنتاج الاجتماعي الأساسية فهي من اختصاص الرجل نظرا لاستعداداته ككائن عقلاني و مؤهل جسمانيا لتحمل تلك الأدوار.
- الاتجاه الاجتماعي:
يذهب هذا الاتجاه إلى اعتبار "فطرية" الفوارق بين الجنسين أمرا إيديولوجيا مرفوضا من الناحية العلمية، ويرجع تلك الفوارق إلى عوامل ثقافية و اجتماعية.
كيف ذلك؟
كل السمات المتصلة بالمرأة ناتجة عن فعل اجتماعي تربوي يبدأ منذ الشهور الأولى في إعداد الأنثى لتقبل أدوار دونية لصالح الذكر، يبدأ الأمر مع الرضاعة و يستمر عند اللعب "مليسا هاينز: جنوسة الدماغ" ولدى برامج التلفاز ...إنها اتجاهات ثقافية نحو إعداد الفتاة للعب أدوار إعادة الإنتاج "أعمال البيت" و بعض الأدوار الهامشية في مجال الإنتاج لصالح الرجل الذي يهيأ للعب ادوار الانتاج داخل المجتمع. والنتيجة إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية الجنسانية التي تكرس هيمنة الرجل عن طريق تمكينه من وسائل الإنتاج.
إذن سيادة الرجل لا تعود إلى عوامل بيولوجية بقدر ما هي نتاج لعوامل اجتماعية تحددها علاقات الانتاج السائدة في مجتمع تكون فيها وسائل الإنتاج لصالح الرجل وهو ما نجده في المجتمعات البطريركية.
نستنتج كذلك أن المرأة بدورها بإمكانها أن تسود في مجتمع ما على حساب الرجل كلما تمكنت من امتلاك وسائل الإنتاج "وهو ما لا يسمح به المجتمع البطريركي" في حين كان ممكنا في المجتمعات المطريركية على غرار المجتمعات البدائية التي كانت فيها علاقات الانتاج لصالح المرأة، في هذه النقطة لا تتفق الباحثة الألمانية" أورزولاشوي" مع "انجلز" والنظرية الماركسية عموما، حين اعتبر المجتمعات البطريركية تطورا تاريخيا للمجتمعات المطريركية، ذلك انه ،في نظر الباحثة، بإمكاننا أن نجد مجتمعا مطريركيا في أي لحظة من التاريخ، وهو ما اكدته أبحاث مارغريت ميد: ففي قبائل غينيا مثلا النساء لا يتفوق عليهن الرجال لا في ضخامة الجسم ولا في قوته، وانهن كن يقمن بنشاطات تعتبر لدينا رجالية خالصة" الحراثة و صيد الأسماك مثلا"
خلاصات:
السمات التي تنعت بها المرأة ليست سببا بيولوجيا لما يوكل إليها من الأدوار، بل هي نتيجة لتنشئة اجتماعية تبدأ مند الطفولة الاولى و تهيئ كل جنس للعب دور منمط لم يختره لذاته، تنشئة تجعل من الفتاة مستعدة لقبول نظرة دونية للمجتمع إزائها بل هي نفسها تكرس بعضا من مكونات تلك النظرة" نجد في كثير من المواقف بعض النساء يؤكدن دونيتهن، بوعي أو عن غير وعي، "أنا غير امرأة ولية"
صحيح ان الطبيعة لها دورها فقد اكدت التجارب العلمية ان "العاطفة" كأحد سمات الانوثة لها ما يبررها بيولوجيا، لكن ذلك لا يمنع من كون الثقافة و التنشئة الاجتماعية لها دور حاسم في تنمية تلك الاستعدادات أو العكس.
إن التربية لها دور حاسم كذلك في إعطاء كلا الجنسين فرص اقتحام كل المجالات دون ان تبقى حكرا على هذا الجنس او ذاك، فمعلوم ان توجيه الأطفال الإناث إلى ألعاب بعينها دون الفتيان ينمط تفكيرهن ويسد امام عقولهن فرص الإبداع في مجالات ذكورية" جنوسة الدماغ ، ميليسا هاينز" .
إن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب إعادة الاعتبار لعمل المرأة في مجال إعادة الإنتاج "أعمال البيت" و هو العمل الذي لا تعتبره الرأسمالية عملا مأجورا ، على الرغم من أهميته الاجتماعية، وبالتالي فهي تحرم المرأة من امتلاك وسائل للإنتاج تسمح لها بفرص حقيقية للمساواة مع الرجل . فما معنى ان ننادي بحقوق المرأة و مساواتها مع الرجل في ظل غبن حقها في أجرة مستحقة على عملها في مجال الأمومة و ما يرتبط بها من أشغال البيت.