في التربية
على قيم النوع الاجتماعي..
على الرغم
من محاولة الكتاب المدرسي المغربي رسم صورة حديثة عن المرأة، فإن هذه المحاولة لم
تبرح مستوى الخطاب الصريح والظاهر، وذلك من خلال نصوص وعبارات تتحدث عن إنصاف
وتكريم المرأة، ذلك أن هذه الصورة تصطدم بصورة أخرى مقابلة ومضادة، سواء على مستوى
ظاهر الخطاب نفسه، من خلال الصور والمتون التي يحملها الكتاب المدرسي، أو من خلال
الخطاب الضمني حيث قواعد التضمين والإقصاء، التي تكون في بعض الأحيان صريحة وفي
أحيان كثيرة ضمنية، تحدد ما يوجد في الداخل وما يوجد في الخارج، وترتكز هذه
القواعد على مفاهيم السلطة وقيمها ومواضعاتها[1].
في هذا الصدد كثيرة هي المواقف التي تحبل بها الكتب
المدرسية التي اشتغلنا عليها عبر تقنية تحليل المضمون: كتابي في اللغة العربية،
السنة الثانية الابتدائية ، Pour communiquer en français ، السنة الخامسة الابتدائية، النجاح في
التربية الاسلامية، السنة الثالثة الابتدائية، مواقف تستبطن في ثناياها تمييزا
ضمنيا للرجل على المرأة، وبالتالي تتحدد مختلف أشكال السلطة الذكورية ورمزيتها في
المجال وفي الدور الاجتماعي، وفي التمايز الجنسي الجسدي القائم على فطرية الفوارق
بين الجنسين، هذه الفوارق البيولوجية التي تحاول أن تبرر تلك السلطة لتعيد إنتاج
نفس الأدوار والعلاقات الاجتماعية السائدة، حيث يصير الجسد منتوجا ثقافيا أكثر منه
معطى بيولوجيا، وبذلك نعي جيدا ما الذي حدا ب"سيمون دو بوفوار" إلى قول قولتها
الشهيرة: "لا يأتي المرء إلى هذا العالم كمرأة، بل يجعلون منه كذلك[2]".
إن الحديث
عن نظرة منسجمة إزاء المرأة، يقتضي تفكيكا لمكونات صورتها في ثقافتنا ومعيشنا
اليومي وعلى رأسها ثلاثية المجال والدور الاجتماعي والجسد، باعتبارها ثلاثة محاور
لاستراتيجية السلطة الأبوية كبناء ثقافي، ومن تم إعادة تأسيس علاقات النوع
الاجتماعي بناء على منح فرص متكافئة لكلا الجنسين من خلال عمليات التنشئة
الاجتماعية وكافة المتدخلين في هذه العملية، وعلى رأسهم المدرسة وخطابها. والأكيد
أن ذلك لن يتم بمجرد تبني شعارات عبر مضامين ونصوص مدرسية تمجد وتنتصر للمساواة
بين الجنسين فقط، بل إن الأمر يتطلب تفكيكا لآليات خطاب الكتاب المدرسي بكل
تجلياته الضمنية والصريحة، الظاهر منها والمتواري، والحرص ما أمكن أن يكون هذا
الخطاب محترما في كل تفاصيله لقيم النوع، ولا ينطلق من أحكام نمطية تربط جنسا
معينا ببعض الأدوار أو بعض الصفات والسمات الجسدية بناء على عادات ومعايير
اجتماعية.
صحيح أن
الفرق البيولوجي يميز بين جنس الذكر وجنس الأنثى، وصحيح أن المرأة، نسبيا وبحكم بعض
المعطيات، تبقى أكثر عاطفية من الرجل لكن ذلك لا يمكن بأي حال أن يبرر أشكال
التمييز التي لاحظناها في المجال والأدوار الاجتماعية التي تكتفي فيها المرأة
بأدوار إعادة الانتاج، بل إن التنشئة الاجتماعية يبقى لها دور أساسي في منح كلا
الجنسين فرصا متكافئة في ولوج كافة المجالات والاضطلاع بكافة الأدوار، وبالتالي
خلق فرص حقيقية للتنمية نستفيد فيها من كل الطاقات والمؤهلات ذكورية كانت أو
أنثوية.
يمرر الكتاب
المدرسي صفة "الحنان" "على سبيل المثال لا الحصر" كخاصية
أنثوية تمتد إلى تفكير الفتاة و تمثلاتها، ففي نص قرائي بأحد الكتب المدرسية تبدو هذه الفتاة وهي تلعب بالورق مع أخيها الذي
فكر في صناعة صاروخ، في الوقت الذي دفعت فيه العاطفة الصغيرة سناء لتصنع بالورق
عصفورا، ليعود الخطاب المتواري ويمارس عنفه الرمزي على الفتاة التي لا يحق لها أن
تفكر في التحليق بعيدا عبر الصواريخ، ولذلك نفهم كيف ولماذا كان ميشيل فوكو منشغلاً على مدار تحليلاته بالكشف عما يكبل الجسد، ويقيده، لأن ذلك
في رأيه تكبيل للعقل، ففك أغلال الجسد من آليات التوجيه والنفي والترويض هو إطلاق
سراح العقول من سراديب الحجر والزيف[3]. هكذا لا يجوز للفتاة أن تطلق العنان لعقلها كي يفكر،
وتطمح لكي تدرك العلا فهو من شأن الفتيان رجال الغد، أما الفتيات "النساء"،
فمهمتهن الرعاية والوداعة والرقة، لذلك كان لهن أن يلعبن ويفكرن في صنع العصافير،
فجاء عنوان النص القرائي كالتالي: صاروخ وعصافير[4]، الصاروخ
"للذكر" أولا، والعصافير "للأنثى" ثانيا.
وهكذا
تستبطن المتعلمة ويستبطن المتعلم صورة المرأة ككائن من "جنس لطيف"، كائن
عاطفي، في مقابل الرجل ككائن عقلاني، ومن تم تتحدد الأدوار والعلاقات الاجتماعية،
وبذلك يتشكل البناء الاجتماعي للجسد وفق قاعدة التقابلات بين الجنسين حيث، وكما
وقفنا مع بيير بورديو، هذا البناء الاجتماعي بقدر ما يجعل الفوارق الاجتماعية تبدو
طبيعية، فهو كذلك يريد أن يجعل من الفوارق الطبيعية تبريرا للفوارق الاجتماعية
ويحول الاختلافات البيولوجية إلى اختلافات في المكانة الاجتماعية[5].
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire